الخميس، 24 أبريل 2014

من اقوالهم شعر وقصص وحكايات انشرها عطر المدونة واستفتاح بعذوبة الحروف ومعني الكلامات المعبرة والهادفة


التقعر في الكلام
كان رجل من التجار له ولد يتقعر في كلامه، ويستعمل الغريب؛ فجفاه أبوه استثقالاً له وتبرماً به، ومما كان يأتي به، فاعتل أبوه علةً شديدة أشرف منها على الموت. فقال: أشتهي أن أرى ولدي، فأحضروهم بين يديه وأخر هذا ثم أخر حتى لم يبق سواه، فقالوا له: ندعو لك بأخينا فلان ؟ فقال: هو والله يقتلني بكلامه، فقالوا: قد ضمن ألا يتكلم بشيء تكرهه؛ فأذن لهم. فلما دخل قال: السلام عليك يا أبت، قل أشهد أن لا إله إلا الله، وإن شئت قل أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقد قال الفراء: كلاهما جائز، والأولى أحب إلى سيبويه. والله يا أبتي ما شغلني غير أبي علي، فإنه دعاني بالأمس، فأهرس وأعدس، وأرزز وأوزز، وسكبج وسبج، وزربج وطبهج، وأبصل وأمصل، ودجدج وافلوذج ولوزج.
فصاح أبوه العليل: السلاح السلاح، صيحوا لي بجارنا الشماس لأوصيه أن يدفنني مع النصارى وأستريح من كلام هذا البندق.
وهاج بأبي علقمة النحوي دم فأتوه بحجام؛ فقال له: اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزاً، ولا تكرهن أبياً، ولا تردن أتياً.
فقال الحجام: ابعث خلفي عمرو بن معديكرب، وأما أنا فلا طاقة لي بالحرب.
وهاج به مرار فسقط فأقبل قوم يعضون إبهامه، ويؤذنون في أذنه؛ فقام من غمرات غشيته، فقال: ما لكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة؛ افرنقعوا عني. فقال بعضهم: اتركوه فإن جنيته تتكلم بالهندية.
وقال أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن اليتيم: كنت أماشي أبا جعفر بن النحاس حتى وقفنا على بائع تمر، فقال له أبو جعفر: كيف تبيعني ؟ قال: ثلاثة ونص بدرهم. قال له: قل ثلاثة ونصف بدرهم. قال: ثلاثة ونصف بدرهم. فقال له: قل ثلاثة ونصف بالكسر، فضجر وقال: ونصف، أفرغ لسانك فنحن في بيع وشراء لسنا في نحو. قال: فاجعله أربعة ؟ قال: أفعل يا بغيض، فوزن له بدرهم؛ فقال له أبو جعفر: أدر الصنجة من الكفة إلى الكفة، فقال: أنا أعرف ابن النحاس فإنه أحمقكم، قال ابن اليتيم فقلت له: أبيت أن تنصرف إلا مصفوعاً.
وكان أبو العباس مليح الشعر وهو القائل:
لا لأني أنساك أُكثر ذكرا ... ك ولكن بذاك يجري لساني
أنت في القلب والجوانح والرو ... ح وأنت المنى وأنت الأماني
كل عضوٍ منّي يراك من الشو ... ق بعينٍ غنيةٍ عن عياني
ودخل بستان حسين بن الماذرائي فعلق بثوبه غصن ورد فقال:
علق الورد بي وقال إلى أي ... ن وعندي روائح الأحباب
قلت آليت لا أشمّك حتّى ... أتروّى من الثنايا العذاب
وقال:
يا زائري في ظلمة ال ... ليل البهيم على وجل
حافٍ وقد جعل القنا ... ع على النهار من الخجل
هلاّ انتعلت بوجنت ... يّ فكان يضرب بي المثل
سبحان من جعل الخدو ... د عذاب قلبي والمقل
الفرزدق وخالد بن صفوان
قال خالد بن صفوان للفرزدق: يا أبا فراس، لو رأتك صويحبات يوسف لما أكبرنك ولا قطعن أيديهن ؟ فقال: وأنت يا خالد، لو رأتك صاحبة موسى لما قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.
ووهب رجل لابن سيابة ديناراً، ثم بعث إليه ليأنس به، فكتب إليه: شغلتنا أموالنا وأهلونا.
وجاور ابن سيابة قوماً فأزعجوه. فقال: ولم تخرجوني من جواركم ؟ قالوا: أنت مريب، قال: فمن أذل من مريب وأحسن جواراً.
وفيه يقول عتبة الأعور:
يابن الذي عاش غير مهتضمٍ ... يرحمه اللّه أيّما رجل
له رقاب الملوك خاضعةٌ ... ما بين حافٍ منهم ومنتعل
أبوك أوهى النّجاد عاتقه ... كم من كميّ أردى ومن بطل
يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من دائر على وجل
في كفّه صارمٌ يقلّبه ... يقدّ أعناق سادةٍ نبل
وهذا بديع في وصف حجام.
وقال آخر يصف حجاماً:
له جونةٌ فيها ثلاثون مخلباً ... مناقيرها بيضٌ وأجوافها حمر
إذا عوّج الكتّاب يوماً سطورهم ... فليس بمعوجّ له أبداً سطر
وصف بعض المزينين
وقد قال بعض المزينين:
قصصت بموسى الغدر ناصية العهد ... وأجريت شرط البين في جبهة الودّ
قططت بمقراض الجفا طرّة الوفا ... فجبهة وجه الودّ مكشوفة الجلد
وما زلت مصّاصاً بجمجمة القلى ... أخا النأي في العتبى على القرب والبعد
كلام مستطرف لأهل الصناعات من طريق صناعاتهم
ولأهل الصناعات من طريق صناعاتهم كلام مستظرف؛ وربما اتفقت الاستعارة مطردة للشاعر على معنى في صناعة، حتى كأنه عانى تلك الصناعة بما جرى على لسانه من البراعة، في وصف حقائقها، ونعت طرائقها؛ كقول عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع.
غرست الهوى حتى إذا أورق الهوى ... فأينع في أغصانه ثمر الوصل
وحفّت به أنهاره في غياضه ... فأصبح ملتفّ الحدائق بالحمل
ولم يبق إلا المجتنى من ثماره ... سرور التصافي والمودة والبذل
أطاف بنا ريح الوشاة فهيّجت ... سحابة هجران تكفّ على رسل
فمالت عزاليها عليه فأحرقت ... غصون الهوى والودّ منّا بلا دخل
ودبّت سيول الهجر حول أصوله ... فأغصانه فاستقلعته من الأصل
وقال علي بن هشام:
حصد الحبيب وصالنا بمناجلٍ ... طبع المناجل من حديد البين
والشوق يطحنه بأرحية الهوى ... والعين تعجنه بماء العين
والقلب يخبزه بنيران الأسى ... والنفس تأكله بلونٍ لون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق