الأربعاء، 30 أبريل 2014

الشيخ عبدالله الحكيمي


ولد سنة 1318 هـ / 1900 م في قرية (حليس)، من عزلة (الأحكوم)، من بلاد (الحجرية)، في محافظة تعز، وتوفي في مدينة عدن عام 1954 م .

نشأ في حي (الشيخ عثمان) بعدن، ودرس على بعض علمائها، ثم التحق جنديًّا في الجيش العربي في عدن، ورقي إلى رتبة ضابط، ثم ترك الخدمة العسكرية، وعمل ملاحًا بإحدى البواخر، وتنقل إلى عدد من البلدان؛ منها: الجزائر، التي استقر فيها مدة ثم رحل إلى بريطانيا؛ مرشدًا، وداعية إسلاميًّا، واتخذ من مدينة (كارديف)، مقرًّا لإقامته، وأنشأ هناك (الجمعية العلوية)، لتدريس أبناء المغتربين، ومارس أنشطة دعوية، وأسلم على يديه عدد من الإنجليز، كما أسسس (المركز الإسلامي الأعلى) لمسلمي كارديف، وملحقاتها.

رجع إلى مدينة عدن، عام 1359هـ/1940م، وحاول ولي العهد (أحمد بن يحيى حميد الدين)، أن يستميله لصالحه، بعدما سمع عنه وعن نشاطه السياسي، والديني، وأرسل إليه سرًّا الأستاذ (أحمد محمد نعمان) ـ مدير معارف تعز حينها ـ فرفض عرض ولي العهد، وفضل العودة إلى بريطانيا، وظل على علاقة وثيقة برجال الحركة الوطنية، الذين فروا إلى عدن؛ كالأستاذ (أحمد محمد نعمان)، والأستاذ (محمد محمود الزبيري)، والشاعر (زيد بن علي الموشكي)، والأستاذ (أحمد محمد الشامي)، وغيرهم.
وبعد فشل ثورة الدستور، عام1367هـ/ 1948م، لمع اسمه وصوته، مدافعًا عنها، وأصدر في سبيل ذلك جريدته المسماة: (جريدة السلام)، داعيًا إلى العدل، والحرية، والمساواة، وحفلت أعداد جريدته بمواضيع، وبحوث متميزة عن القضية اليمنية.
وبعد أن أصدر مائة وسبعة أعداد من هذه الجريدة ؛ قرر العودة إلى عدن، ليواصل الجهاد عن قرب، وكانت أفكاره وطنية، إصلاحية، تدعو إلى العلم، والوحدة، واتباع تعاليم الإسلام، وانتهاج القدوة الحسنة؛ .

من مؤلفاته: 1-الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام. 2-دين الله واحد. 3-دعوة الأحرار.



الشيخ عبدالله علي الحكيمي، من مواليد الأحكوم -الحجرية بمحافظة تعز، تلقى تعليمه الأولي في كتاب القرية، ثم في مدينة عدن المستعمرة حينذاك، والتحق بالجيش العربي الذي أسسه المستعمرون باسم الكتيبة العربية الأولى عام 1918م-1924، وفي عام 1925م التحق بالعمل كبحار في إحدى البواخر الفرنسية، وتنقل في عدد من الموانئ والمدن الآسيوية والأفريقية والأوروبية، كانت مدينة مستغام الجزائرية إحدى أهم المحطات التي حددت مسار حياته، حيث التقى فيها الشيخ أحمد مصطفى العلوي، إمام الطريقة الصوفية العلوية، وأخذ عنه علم التصوُّف والتوحيد والفقه واللغة، ثم أذن له في الدعوة وتنشئة المريدين وأسس عدداً من الجمعيات والزوايا في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا واليمن، للاهتمام بأمور المسلمين وتنظيم شؤونهم، وعمل على نشر الدعوة بين الأوروبيين وأسلم على يديه ما يزيد عن 500 شخص، وكان له نشاط تحريضي ضد الإمام يحيى حميد الدين ونظامه المتخلف، من خلال صحيفة (السلام) التي أصدرها في مدينة كارديف ببريطانيا، وصدر عددها الأول في 6 ديسمبر 1948م، وكذل من خلال رسائله التي كان يوجهها إلى قادة العالم، أو خطبه التي كان يلقيها على اليمنيين في مهاجرهم المختلفة ولقبه الأحرار اليمنيون بـ(الزعيم) باعتباره الأب الروحي لهم، واعترافاً منهم بدوره الريادي في تنظيم حركتهم عند تأسيس حزب الأحرار عام 1944م ثم الجمعية اليمنية الكبرى عام 1946م، وكانت صحيفة (السلام) بمثابة صوت الأحرار بعد فشل حركتهم عام 1948.
وكان قد عاد إلى اليمن من المهجر لآخر مرة في يناير 1953م بعد ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، وكانت عودته بطلب من الأحرار ليباشر بنفسه قيادة العمل الوطني في اليمن، فاختير ليكون رئيساً للاتحاد اليمني في 25/10/1953م.. ولنشاطه السياسي المعارض لسلطة الإمامة في شمال الوطن، تحالف ضده نظام سلطة الاحتلال في جنوب اليمن ونظام الإمامة في شماله، فاعتقل في عدن بتهمة ملفقة لمدة ثلاثة أشهر ونيف، ثم أطلق سراحه، ولكنه مات شهيداً في 4 أغسطس عام 1954م، بعد أن كان قد ترك ثلاثة كتب قيمة هي (دين الله واحد، دعوة الأحرار، الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام).. (أنظر الغلاف الخلفي لكتابه دعوة الأحرار).

3- منهج الحكيمي في الدعوة إلى الله :
كان الشيخ الحكيمي قد وجد نفسه يعمل في بيئة غير إسلامية، وهي بريطانيا، فاضطرته ظروف الحياة ليعيش في وسط مسيحي، مع وجود عدد قليل من المسلمين الوافدين إلى تلك الديار، فكان عليه واجب الدعوة إلى الله في اتجاهين:
- الاتجاه الأول : توجيه إخوانه المسلمين للتمسك بدينهم، وإرشادهم لما ينبغي عمله للحفاظ على عقيدتهم، وكيفية التعاطي مع الشعائر الإسلامية، وممارسة العبادات في مجتمع مسيحي.
- الاتجاه الثاني : بذل المحاولات للتعريف بالإسلام في المجتمع البريطاني ذي الغالبية المسيحية، وعمل المستطاع لإقناع بعض المسيحيين باعتناق الإسلام.
ففي الاتجاه الأول قام الشيخ الحكيمي بنشاط تثقيفي واسع في أوساط المهاجرين اليمنيين وغيرهم من أبناء الجاليات الإسلامية، وبذل ما في وسعه لتقوية الإيمان في نفوسهم انطلاقاً من أن "الإيمان هو السياج الذي يحفظ للمجتمع أمنه وسلامته، ويوفر للفرد طمأنينته وسعادته، والناس بدون إيمان يصبحون كوحوش في غابة الحياة، تسيطر عليهم الأنانية، ويحكمهم حب الذات، وتوجههم المطامع، ومن ثم يفقدون الأمن والطمأنينة وهدوء القلب، وسعادة النفس، وراحة البال" (عفيفي، 1985م، ص37).
وبذل الحكيمي ما في وسعه لإقناع مسلمي بريطانيا أن المسلم الحق، هو المؤمن حقاً، الذي يحقق السلم على نفسه، وعلى إخوانه، وعلى مجتمعه الذي يعيش فيه، أما غير المؤمن فهو حرب على نفسه، يدمرها بما يكنه فيها من حقد وحسد وعداوة وبغضاء، ويتسلط عليها بما يقضي عليها كتناول الخمر والمخدرات، استجابة لشهواته التي لا تنتهي، ونزواته التي لا تقف عند حد.. وهو حرب كذلك على إخوانه بما يضمر لهم من سوء وأذى، وما يدبره من مكر وخديعة، وأنه كذلك حرب على مجتمعه، بما ينشره في ربوعه من فساد، وما يبثه من رذيلة، وما يكنه لأفراده من حقد وحسد وعداوة وبغضاء.
وحاول الحكيمي تحذير مسلمي أوروبا من مغبة ضعف الإيمان في مجتمع غير إسلامي، فالذي خرب داخله من معاني الإيمان، يكون شخصاً أنانياً لا يرى إلا ذاته ولا يحب إلا نفسه، ومثله لا يستطيع أن يعيش في مجتمع غريب عنه، فهو بأنانيته سيكون حرباً على غيره، لأنه يريد هدم الكل ليبني على أنقاضهم مجد نفسه، ويريد القضاء على الجميع ليصعد على أشلائهم إلى القمة، أما الذي يعمر الإيمان قلبه، ويضيء جوانب نفسه، فإنه ينأى بنفسه عن الأنانية وحب الذات، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".. (رواه الشيخان عن أنس).
وبذل الحكيمي ما في وسعه لإقناع المهاجرين اليمنيين وغيرهم من أفراد الجالية الإسلامية في بريطانيا بأهمية التمسك بدينهم وضرورة الحفاظ على تماسكهم ووحدتهم، وإلا فإنهم سيذوبون في المجتمع البريطاني، وسرعان ما يفقدون هويتهم.
ولكي يكون نشاط الحكيمي في إطار مؤسسي قام بتأسيس (الجمعية الإسلامية العلوية الصوفية الشاذلية) في عام 1936م لتحقيق جملة من الأهداف منها: (طاهر،2005، ص141)
- تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين، وتعليمهم العلوم الإسلامية واللغة العربية.
- رفع مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية لأبناء المسلمين في بريطانيا.
- تأسيس مسجد للمسلمين لتأدية الصلوات المفروضة، وإقامة الاحتفالات الدينية، لتكون كمجمع علمي إسلامي.
- تأسيس مكتبة عربية للمطالعة تحتوي على المؤلفات الإسلامية.
- تعليم البنات المسلمات في مدارس خاصة ورعايتهن رعاية خاصة.
- توثيق الروابط الثقافية والاجتماعية والتعارف بين المسلمين وغيرهم.
- الاهتمام بإرسال البعثات من أبناء المسلمين للدراسة في الأزهر الشريف والجامعة المصرية، لاستكمال دراستهم والعودة إلى بلادهم لتثقيف غيرهم من أبناء المسلمين.
ولم تكن مهمة الحكيمي سهلة ولا ميسورة في نشر الدعوة، إذ واجهته جملة من الصعوبات والمعوقات، منها أنه ينشر دعوته في بيئة غير إسلامية وفي مجتمع غالبيتهم من المسيحيين، وبين مسلمين يجهلون حقيقة دينهم، في مرحلة كان العداء للدين الإسلامي على أشده، في وسط جاليات إسلامية مفككة، وضعيفة، وغير قادرة على الدفاع عن دينها، أو ممارسة شعائرها الدينية، وساءه أن يرى مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه قد انطمست لدى كثير من المسلمين المهاجرين إلى أوروبا، وانغماس بعضهم في المجتمع الأوروبي والتخلي عن هويتهم الإسلامية، وسعي الكثير منهم وراء كسب لقمة العيش، بصرف النظر عما إذا كان مصدر الكسب حلالاً أم حراماً.
ولكن الحكيمي بما يمتلك من قدرة على التأثير، وما لديه من نشاط وحيوية استطاع تنظيم الجاليات العربية الإسلامية في بريطانيا وبعض المدن الأوروبية، فكان ينتقل من مدينة إلى أخرى يلتقي أبناء الجاليات العربية الإسلامية فيها، ويسعى لتأسيس فروع للجمعية الإسلامية العلوية في الأماكن التي يكثر فيها تواجد المسلمين، وكان قد نجح بعدها في تحقيق ما يلي: (المنصوب، 2001، ص157).
- توحيد كلمة المسلمين وإعطاؤهم قوة واعتباراً.
- إجراء عقود الزواج الشرعي للمسلمين.
- إجراء الختان لأبناء المسلمين وتسمية أولادهم بأسماء إسلامية، وتنشئتهم تنشئة إسلامية.
- إيجاد مقابر خاصة بالمسلمين، وتجهيز موتاهم ودفنهم على الطريقة الإسلامية.
- إبطال عادة مخالفة الأيدي بين المسلمين بالمحاكم عند حلف اليمين.
- إقامة الشعائر الدينية في الأعياد وغيرها.
- إيجاد مجازر للذباحة وفقاً للشريعة الإسلامية.
- شراء ثلاثة بيوت، وبناء مسجد (نور الإسلام) في كارديف.
- الاتصال بالأزهر الشريف بهدف ابتعاث عدد من الطلبة من أولاد المسلمين لتدريسهم وإعدادهم كدعاة، وتنفيذ أول بعثة.
- اعتناق أكثر زوجات المسلمين الإنجليزيات الديانة الإسلامية، وكذا بناتهم وأولادهم.
أما الاتجاه الثاني، فإن الحكيمي قد نحا فيه منحىً متميزاً في التعريف بالإسلام، وقدمه للأوروبيين أحسن تقديم، وقام بواجب الدعوة الإٍسلامية في الأوساط المسيحية في بريطانيا، وأسلم على يديه كثيرون، عن طريق الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل الفكري، وإقامة الحجة والدليل، وعدم كراهية الآخر، مهما اختلف معه في الدين والمذهب..(سعيد، 2001، ص109).

4- منهج الحوار عند الحكيمي:
كان الحكيمي قد أرسى قاعدة ثابتة للحوار مع المسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، أساسها أن دين الله واحد، وأن الديانات السماوية مهما اختلفت فإنها تقر أن الدين عند الله الإسلام، وأن الله لم يطلب من الناس أكثر من الاستسلام له بظاهر القول والعمل وصدق الاعتقاد بأن الله واحد.
وحاول الحكيمي أن يجمع ما استطاع من الأدلة العقلية والنقلية ليؤكد بها على أن دين الله واحد.. كقوله إن (العقل والمنطق لا يقران القول بتعدد الأديان إذ لو تعددت الأديان لتعددت الآلهة) وقوله: (إنه ليس لأحد دين يخالف به دين الآخر ولو أن الله أعطى لكل نبي ديناً يخالف دين الآخر لكان بذلك قد فتح لهم باب الفتنة، ورضي بالتنازع والتفرقة بين العباد وأنه لا سبيل إلا أن تشب المعاصي للعباد، إذا كان الله باذر الشقاق والنزاع)(نفسه، ص9).
وكان الحكيمي قد هيأ نفسه لمحاورة القساوسة المسيحيين، فاستلزم ذلك دراسته للغة الإنجليزية وإتقانها، ودراسة المنطق والفلسفة لإجادة أساليب الحوار وطرائق الإقناع، ودراسة الكتب المقدسة لدى المسيحيين، والتضلع بعلوم الدين الإسلامي حتى يستطيع محاورة القساوسة المسيحيين، والرد على افتراءاتهم حول الإسلام أو سوء فهمهم له، وتصعيد مزاعمهم المغرضة لتشويه الإسلام وإبراز مزايا الإسلام وخصائصه في مواجهة خصومه.
ولقد كان الشيخ الحكيمي جريئاً حين قرر أن يطرق أبواب الكنائس الأوروبية ويحاور القساوسة في مقر كنائسهم أو يدعوهم إلى مسجده في كارديف.. وكانت تلك الحوارات تنشر في الدوريات الكنسية وهي التي ساعدت على اعتناق عدد من الإنجليز دين الإسلام.
وكان الشيخ الحكيمي قد تعرّف على موقف القساوسة من الإسلام، ثم حاورهم في الأسئلة الهامة التي وجهت إليه من قبل بعض القساوسة والرهبان المسيحيين في بريطانيا، والتي نشرها في صحيفة (السلام) التي كان يصدرها ببلدة (كارديف) ببريطانيا، وذلك في العدد رقم 15 الصادر في 17 جمادي الأولى 1368هـ الموافق 17 مارس 1949م ولم يتمكن وقتها من نشر أجوبته عن تلك الأسئلة، ولكنه قام فيما بعد بنشر الأسئلة والأجوبة في كتاب مستقل أسماه: (الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام) صدرت الطبعة الأولى منه في عدن عام 1955ـ عن مطبعة السلام التي كان يمتلكها.. كما قام بتأليف كتاب آخر أسماه (دين الله واحد) صدرت الطبعة الأولى منه في كارديف عام 1952م، عن مطبعة السلام التي يطبع فيها صحيفته (السلام).
وكان الشيخ الحكيمي قد نجح في إقناع بعض المسيحيين الإنجليز، للدخول في الإسلام عن طريق الحوار الموضوعي، والجدل الفكري المنطقي، بإقامة الحجة والدليل، وعدم الترفع عن الآخر، فأرسى بذلك قاعدة علمية للحوار تقوم على الأسس الآتية: (العجمي، 1423، ص32):
1- التخلص من جذور العداء والدخول إلى الحوار بروح جديدة تتجاوز ما كان من لغة التعصب واتهام كل ثقافة للأخرى.
2- تغليب الجانب الإنساني وتحويله إلى واقع بدلاً من أن يظل كلاماً فقط، كما في مسألة حقوق الإنسان والسلام العالمي ونحوه.
3- عدم الاعتداء على الخصوصيات الثقافية، بل العمل على احترامها لأنه من غير المعقول أن يكون للعالم كله ثقافة واحدة مع اختلاف عقائده ومذاهبه الفكرية والسياسية.
4- التخلص من عقدة الاستعلاء لدى الغرب، وعقدة الاتهام لكل ما هو غربي من المسلمين، بل يكون الحوار على مستوى الندية واحترام الرأي الآخر، حتى ولو كان مخالفاً.
5- الإيمان بأن حوار الثقافات لا صدام الثقافات هو أقرب الطرق إلى تجنيب العالم ويلات الحروب وأخطار أسلحة الدمار، وخاصة أن الحرب الحديثة قد تؤذي مشعلها قبل غيره.
6- الإقرار بمبدأ التدافع ومبدأ الحرص على المصالح، وأن المسلمين لا مانع لديهم أن يتعاملوا مع الغرب على أساس المصالح المشتركة من خلال نظام عالمي عادل، تتنافس فيه الشعوب والأمم فكرياً وسياسياً واقتصادياً، ضمن قواعد محددة تكفل الحقوق وتمنع الظلم.
7- تجنب العبارات والتصريحات المثيرة للضغائن، كقول المسلمين اليوم مثلاً: إن الإسلام هو البديل للحضارة الغربية، وكقول الغرب: الإسلام هو العدو الباقي بعد سقوط الشيوعية، لأن هذه التصريحات لا تفهم إلا على أنها تحد، وإعلان حرب بشكل أو بآخر.
8- الالتزام بالنقد الموضوعي للذات من قبل كل ثقافة لأن هذا سيفتح الباب أمام المشترك الصواب بدلاً من الجدال حول الخطأ الشائع.
9- على المسلمين المقيمين في الغرب والنصارى المقيمين في الشرق أن يدركوا معاً أن الأرض التي يحيا عليها كل منهم تلزم ساكنها ببعض الضوابط والانتماء حتى لا يفسد أهل الأرض فيها، لأن هذا قاتل للاستقرار، فضلاً عن مجافاته.
وقد عبر الشيخ الحكيمي عن هذه الأسس في إهدائه كتابه (دين الله واحد) حيث قال: "أقدم كتابي هذا هدية إلى إخواني الأعزاء من بني الأسرة الإنسانية على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم"(الحكيمي، (1) 1952، ص3).
وتولى الشيخ الحكيمي تقديم إيضاحات كاملة عن بعض الموضوعات الحيوية التي هي مثار خلاف بين الإسلام والمسيحية، كان قد نشرها في صحيفة (السلام) إضافة إلى الكتابين اللذين خصصهما لهذا الغرض، وهما: دين الله واحد، وبالأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام.
ومن بين الموضوعات التي قام بمناقشتها في الكتابين ما يلي:

1- التأكيد على واحدية الدين:
كان الحكيمي قد أسس حواره الفكري مع رجال الدين المسيحي على الإيمان الراسخ بأن دين الله واحد، وفي ذلك يقول: "منذ خلق الله خلقه، وأنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، لن يكون له في ذلك كله إلا دين واحد وهو الإسلام الذي جاء به الأنبياء، ودعت الأمم إليه مبشرة بأنه دين السلام والأمان الذي يضمن للناس جميع حقوقهم ومصالح حياتهم، ويمنحهم حرية لا رق فيها ولا ظلم ولا جور، وقيماً سامية عليا، ولا يمكن الخضوع فيها إلا لله وحده، لا لأحد سواه، ولما كان الإسلام دين الأولين والآخرين، فلن تختلف إلا صوره ومظاهره، أما أصله –روحه وحقيقته- فواحد لا ثاني له"..(الحكيمي(1)، 1952م، ص4).

2- إنكار عقيدة المسيحيين في المسيح:
أنكر الشيخ الحكيمي على المسيحيين قولهم أن المسيح ابن الله فقال: "وقولكم أن المسيح ابن الله فهذا قول إفك وزور وافتراء منبوذ مردود، لأن الله فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، وليس هو جسم ولا عرض، وإذا قلتم أنها نسبة مجازية، ولا أعتقد أنكم تقولون ذلك، فأقول إن نسبة المجاز تطلق على الناس كلهم أنهم عيال الله، ونحن من أولئك العيال، وليس المسيح إلا فرداً واحداً منا في هذا الانتساب بالنبوَّة، وأنتم تتلون كتبكم وتدرسونها وتجدون فيها قول المسيح الذي قال لحوارييه وأتباعه إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، ومعنى أبي وأبيكم يريد به العموم لا نفسه وحده، واسمحوا لي أن أذكر كم بما جاء في كتاب العهد الجديد من إنجيلكم، وهو طبعاً كتابكم الذي تدرسونه وتؤمنون به- جاء في الإصحاح الخامس من إنجيل متى "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون".. وجاء في الإصحاح نفسه: "وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي في الخفاء يجازيك"، وتتعاقب الشواهد إلى أن يقول: وجاء في (إنجيل يوحنا) الإصحاح العشرون، قال المسيح لمريم: "لا تسلميني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخواني وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".. وهكذا تتعاقب الشواهد المقتبسة من الإنجيل ليؤكد فيها الحكيمي أن لا فرق بين المسيح وغيره في هذه المسألة.. ثم يوجه حديثه إلى المسيحيين قائلاً: "إذن ما هو الفرق بين المسيح وغيره، وهو كما ترونه يقول: "أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".. وهل تجدون في قوله هذا الواضح الصريح ما تحتكرونه له دون غيره، أو تنكرونه عليه؟(الحكيمي (2) 2000، ص19.

3- إثبات صدق رسالة النبي محمد :
حاول الشيخ الحكيمي أن يثبت للمسيحيين عن طريق الحوار، أن محمداً نبي الله ورسوله، فقال: "وقد دلت الدلائل الواضحة على نبوة محمد، ونطقت بذلك الآيات الصريحة في القرآن وغير القرآن من الكتب السماوية القديمة، وذكر اسمه في التوراة بـ(البارقليط) و(مسيا) وجاء اسمه صريحاً في إنجيل (برنابا) وأخذ الله له البيعة من جميع الأنبياء والمرسلين".. (الحكيمي(2)، 2000، ص25).
وفي كتابه الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام، قام الشيخ الحكيمي بتقديم إيضاحات كاملة لعدد من الأسئلة الهامة التي وجهت إليه من قبل بعض القساوسة المسيحيين، وقد رد عليها بموضوعية، وحكمة متناهية، وهذه الأسئلة هي:
1. ماذا تعتقدون في المسيح؟
2. هل تعتقدون أن المسيح ابن الله المخلِّص للبشرية؟
3. هل تعتقدون أن المسيح هو روح القدس؟
4. هل أخبر القرآن بشيءٍ عن المسيح؟
5. هل تعتقدون المسيح سيعود إلى الأرض؟
6. لماذا لا تعتقدون بأن المسيح ابن الله؟
7. ما معنى الإسلام؟
8. هل محمد نبي أم ماذا هو؟
9. هل سيبعث نبي بعد محمد وكتاب آخر بعد القرآن؟
10. ألم تقل أنكم تؤمنون بنزول المسيح إلى الأرض في آخر الزمان، وهذا بعد محمد طبعاً، وتقول أنه لا نبي بعد محمد، أليس هذا تناقضاً؟
11. لم لا تتمسكون بدين المسيح وهو الذي سيرجع إلى الأرض بعد محمد؟
12. في أي أرض هبط آدم؟
13. هل آدم نبي أم غير نبي، وماذا هو إذن إذا لم يكن نبياً؟
14. كم عدد الأنبياء؟
15. ما هو الفرق بين الأنبياء والرسل؟
16. هل القرآن كلام الله أم كلام محمد؟ ومن كان يكتبه؟
17. كيف استطاع محمد أن يفهم القرآن؟
18. هل تعتقدون بالبعث؟
19. ما قولكم في الحساب والعقاب؟
20. لماذا كان الأنبياء كلهم في الشرق؟
21. لماذا كانت الديانة المسيحية في الغرب أكثر منها في الشرق؟
22. ما قولكم في الحروب الصليبية؟
23. ما هو اليوم المقدس عندكم في الأسبوع؟
24. ما حكمة الصيام وما فائدته؟
25. هل لكم رياضات تنفردون وتنقطعون بها إلى الله في الصوامع والكهوف والجبال؟
26. هل يتزوج رؤساء الدين عندكم أم لا يتزوجون؟
27. كيف تعقدون النكاح في دينكم؟
28. هل يقع الطلاق عندكم ولأي سبب يقع؟
29. كيف تسمون الأولاد عندكم؟
30. هل العقود وتسمية الأولاد يقعان في المساجد أم في غيرها؟
31. بماذا تعرفون أن محمداً خاتم الأنبياء وأنه لا نبي بعده؟
32. هل رئاسة الدين منحصرة في أسرة واحدة أم ماذا؟
33. من الرئيس الأعلى عندكم للدين، وأين يكون مستقره؟
34. ما هي طريقة القضاء في الإسلام لمن يريد أن يكون قاضياً؟
35. هل مسألة القضاء تكون بموافقة رئيس الدين للمجلس الأعلى أم ماذا؟
36. كم سنين تستلزم على مريد القضاء أن يقضيها في الدراسة حتى يكون قاضياً؟
37. ما هي العلوم التي يجب أن يعرفها القاضي؟
38. ما هي البلاد المقدسة للمسلمين؟
39. إلى كم فرق يفترق المسلمون؟
40. كم هي الكتب السماوية، وعلى من أنزلت، وكم يوجد منها إلى الآن؟
41. هل لهذه الكتب صلة بالقرآن؟
42. هل تصدقون بنزول المسيح إلى الأرض وفي أية جهة سيكون نزوله؟
43. ماذا ترون في عقول الغرب وما الفرق بينهم وبين رجال الشرق؟
ويشير الشيخ الحكيمي إلى أنه تلقى هذه الأسئلة من قبل رجال ونساء الدين المسيحي في بلدة بناث ويلز الجنوبية في بريطانيا، عشية الخميس 3 جمادي الأول 1367هـ 3مارس 1949م، في اجتماع واحد، وكانت توجه إليه أسئلة من هذا النوع، إلا أنها كانت متقطعة، وفي عدة اجتماعات مختلفة، وقد نشر ذكر هذا الاجتماع في الجريدة الإنجليزية التابعة لكنيسة البروتستانت واسمها (بنات تيمس).. (الحكيمي(2)، 2000، ص112).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأسئلة لا تزال مهمة بالنسبة لأي حوار إسلامي مسيحي، ولئن كان الشيخ الحكيمي قد أعطى إجابات شافية لكل سؤال من هذه الأسئلة، يمكن أن تكون مدماكاً يبنى عليه في الوقت الراهن ما يسمى بحوار الحضارات، ويمكن أن يصير كل سؤال منها محوراً أساسياً من محاور الحوار القائم بين الشرق والغرب، على أن تتولى مناقشتها مؤسسات علمية، حتى لا يقتصر ذلك على الأفراد.
ولا شك أن هذه الأسئلة تكتسب أهميتها من كونها تعكس صورة ما ينبغي أن يعرفه الغرب عن الإسلام، والتي يجب على الدعاة والمؤسسات العلمية في العالم الإسلامي أن يتخذوا منها مدخلاً للحوار مع المفكرين والمثقفين الغربيين، حتى يفهموا الإسلام على حقيقته، وتزول عن أذهانهم الصورة المشوهة عن الإسلام، وتنمحي من عقلياتهم التصورات الخاطئة التي جعلتهم يفترون على الإسلام، ويتهمونه بالإرهاب، وهو منها براء، إذ لو كان هناك أدنى شبهة بصلة الإسلام بالإرهاب لكان علماء الدين المسيحي الذين حاوروا الشيخ الحكيمي قد سألوه عن ذلك ضمن الأسئلة الكثيرة التي وجهوها له، خاصة وأن العالم كله كان وقتها قد عانى كثيراً من إرهاب الدول العظمى التي أشعلت نيران الحرب العالمية الثانية، وشهد بأم عينيه ما سببته أسلحة الدمار الشامل من خراب في (هيروشيما) و(نجزاكي).. أما كان يجدر بهم أن يسألوا شيخنا الجليل هذا السؤال: ما موقف الإسلام من الإرهاب؟ فلو سألوه لوجدوا إجابة كافية تدينهم وتبرئ الإسلام من هذه التهمة الزائفة.


صحيفة 26سبتمبر
 
إعداد: د. بدر سعيد علي الأغبري#
مقدمة لابد منها:مُضطر أن أقول في هذه المقدمة إنني أقدم ورقة متواضعة عن الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي وآمل أن تكون باعثاً قوياً لغيري من الباحثين والمهتمين الذين لديهم القدرة على الدراسة المتكاملة والبحث المستفيض أن يقدم للمكتبة اليمنية والعربية دراسة متكاملة عن حياة الشخصية اليمنية ا لداعية الكبير والمصلح الاجتماعي الشيخ العلامة عبدالله علي الحكيمي ودوره التربوي، حيث أن كثيراً من الأمم والمجتمعات الغربية تهتم بعلمائها وتخلد ذكراهم وتتحدث في كل محفل علمي عن روادها وعظمائها وتوضح مآثرهم مثل الشاعر شكسبير الانجليزي وجون ديوي الامريكي وهاربرت سبنسر الألماني ورامبو الفرنسي... الخ، بينما الأمة العربية والإسلامية لا تولي هذا الجانب أي تقدير وأي اهتمام، فكثير من علمائها ومصلحيها مغمورون لا يعرف عنهم هذا الجيل ولا الجيل الجديد أي شيء ولم يكتب عنهم ولم يكشف الستار عن حياتهم وأعمالهم ومآثرهم، وقد أحسنت اللجنة المنظمة صنعاً في عقد هذه الندوة التي خصصت في ذكرى الخمسين لوفاة الحكيمي في تناول شخصية يمنية وعلم من أعملامها كان لها أثرها الفكري والديني والاجتماعي في اليمن وفي بلاد المهجر هو الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي.
ويمكن القول أن الشيخ الحكيمي لم يلق حتى الآن ما يستحق من الدراسة والبحث فنحن الى يومنا هذا لم نجمع مؤلفاته لنعيد طبع ما نشر ونطبع المخطوط منها وهو كثير من خلال هذه الندوة أهيب بمراكز البحوث اليمنية والجامعات اليمنية وأجهزة الاعلام القيام بجمع تراث الحكيمي وإسهاماته وما كُتب عنه وإصداره بكتاب خاص وجعله مقرراً علمياً على طلاب الجامعات عرفاناً برد الجميل لما لقيه من معاناة وغربة في المهجر وفي نضاله ضد الإمامة والاستعمار ولإثراء الحوار والنقاش في هذه الندوة تحاول الورقة طرح الاسئلة التي يتطلب من المشاركين والحاضرين في هذه الندوة مناقشتها وإغناؤها بالأفكار والآراء السديدة التي تضيء جانباً من جوانب حياة هذا الشيخ في الكشف والتعرف على منهجه والمدرسة التي كان يمثلها في أثناء حياته.. والأسئلة هي:
1- ما المؤثرات والأحداث التي ساعدت على تكوين وتشكيل فكر المصلح الاجتماعي والداعية الحكيمي؟
2- ما المعالم والخصائص التي تميز بها فكر الحكيمي التربوي عما سواه من المفكرين والمصلحين من خلال نظرته الى التربية والتعليم؟
3- ما أهم الجهود التربوية التي قام بها الشيخ الحكيمي؟
4- الى أي مدى استجاب فكر الحكيمي الديني والسياسي والتربوي والاجتماعي لمتطلبات العصر الذي عاش فيه؟
5- ما جوانب القوة أو الضعف في فكر المصلح الاجتماعي للشيخ الحكيمي؟

ثانياً: المنهج المستخدم في هذه الورقة:
تتميز هذه الورقة بكونها اعتمدت على المنهج التاريخي في الرصد والعرض والتحليل بصورة مقتضبة دون التوسع او المناقشة في كل جانب من جوانب فكره لضيق الوقت في إعداد هذه الورقة، معتمداً في ذلك على بعض المصادر التي تم الحصول عليها وهي:
1- دين الله واحد.
2- دعوة الأحرار.
3- الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام.
4- الشيخ الحكيمي ثائر ومفكر.
5- بعض الكتابات التي تم جمعها عن حياة الحكيمي ومنها الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف
الثقافية، الطبعة الثانية 2003م.

ثالثاً: نبذة عن حياة الشيخ الحكيمي:تحتم المعرفة العلمية لأي جانب من جوانب الفكر عند أي مُرب أو عالم على الباحث أو الدارس معرفة وتشخيص المسيرة الحياتية له مبتدئاً التعريف به وشهرته وتاريخ ومكان ميلاده وتعليمه، حيث يعتبر هذا في حد ذاته قيمة فكرية تربوية لا يمكن إغفالها حتى تكون الأجيال القادمة على وعي واطلاع بهذه الشخصية الفذة هو عبدالله علي سعد أحمد الأشعري الحكيمي من مواليد 1900م وينحدر من جماعة كهلان، وهو شيخ الطريقة العلوية للصوفية، ولد في قرية حليس من عزلة الأحكوم (قضاء الحجرية - محافظة تعز) تلقى علومه الأولية في قريته ثم انتقل في صغره الى عدن وعاش مع والده وواصل تعليمه في الحلقات العلمية التي كانت تقام في مساجد عدن، وحين بلغ الثامنة عشرة من عمره التحق عام 1918م بالجيش العربي الذي أنشأته السلطات الانجليزية آنذاك باسم الكتيبة اليمنية الأولى وترقى الى رتبة ضابط ثم ترك الخدمة في الجيش وقرر الهجرة عام 1929م، فعمل في إحدى السفن الفرنسية التي كانت تجوب موانئ أوروبا وشمال افريقيا.. ومكنته حياة الهجرة والانتقال في موانئ العالم الجديد من الاطلاع على حياة العصر وحضارة القرن العشرين والالتقاء بالمهاجرين اليمنيين والتعرف على عدد من المثقفين والمهاجرين من أبناء المغرب العربي، وكان لذلك أثره في حياة الشاب عبدالله الحكيمي.
وفي عام 1929م ترك العمل في البواخر وقرر الالتحاق بالمدرسة الصوفية العلوية الشاذلية في مدينة مستغانم بالجزائر، وكان قد علم بالشيخ أحمد مصطفى العلوي -شيخ الطريقة الصوفية العلوية- الذي كان من أشهر علماء الصوفية له أتباع ومريدون في صفوف المهاجرين في عدد من الدول الأوروبية وفي شمال افريقيا ومكث يدرس على يد شيخه تعاليم الطريقة الصوفية العلوية وأصول الفقه والشريعة وعلوم الحديث والتفسير واللغة.. ولم يكتف بذلك، فقد أتيحت له خلال تلك الفترة فرصة الاطلاع على أعمال رواد حركة التنوير والاصلاح في المغرب العربي.. فأظهر نبوغاً وتفوقاً جعل شيخه يختاره للقيام بمهمة الدعوة الإسلامية في صفوف الجاليات العربية والإسلامية في اوروبا بعد أن منحه مرتبة «العارف بالله الصوفي وحاز على إذنه التام الكامل العام». وغادر الحكيمي الجزائر بعد وفاة شيخه في منتصف عام 1934م، ليبدأ مرحلة الدعوة الإسلامية في اوروبا، وقد تبلورت في ذهنه معالم الرؤية ووضحت مسالك الطريق أمامه فاتجه أولاً الى فرنسا ونزل في باريس ثم انتقل الى مرسيليا، والتقتى هناك بأعضاء الجالية العربية والإسلامية وبالمهاجرين اليمنيين وفي مقدمتهم «الحاج هائل سعيد أنعم» الذي كان واحداً من أتباع الطريقة الصوفية في المدينة، ثم أنتقل في اواخر عام 1934م الى هولندا وزار بلجيا واستقر عام 1936م، في مدينة كارديف ببريطانيا، واستطاع خلال هذه الفترة أن يكتسب مكانة كبيرة وشهرة واسعة في صفوف الجاليات العربية والإسلامية في اوروبا، وأن يعمل على تنظيم وتوحيد صفوف أبنائها، واقامة الجمعيات والمراكز الإسلامية من أجل رفع مستواهم الثقافي والاجتماعي.

رابعاً: وفاة الحكيمي:
في أواخر حياته، غادر بلاد المهجر (بريطانيا) ليعيش بقية حياته في عدن عام 1953م وأثارت عودته قلق المستعمر في عدن والإمامة في الشمال فلفقت له تهمة إدخال سلاح الى المستعمرة عدن وقدم الى المحاكمة وصدر حكم بسجنه سنة مع الاشغال الشاقة. وبعد قضاء ثلاثة أشهر في السجن صدر حكم ببراءته وحينها تولى رئاسة الاتحاد اليمني، إلاّ أن القدر لاحقه فتوفي في 4 اغسطس 1954م متأثراً بسم دس له وهو في السجن.

خامساً: مؤلفاته ومكانته العلمية:للشيخ الحكيمي بعض المؤلفات منها:-الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام ودين الله واحد ودعوة الأحرار. ولمكانته العلمية وحياته الاجتماعية والنضالية تناول أحد الباحثين فكره الإسلامي وجهوده الاصلاحية (1900 - 1954م) في رسالة علمية للباحث (فؤاد عبده الحاج سيف البعداني، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، 2003م) الى جانب إصداره صحيفة «السلام» التي لعبت دوراً تنويرياً وتثقيفياً في المهجر، وعلى إثر ذلك عقدت ندوة علمية في ديسمبر 1998م حول الحكيمي ودوره النضالي وصحيفة «السلام» ودورها التنويري.
سادساً: الجهود التربوية:
كان أهم أعمال الشيخ الحكيمي ما يلي:-1- أقام مسجداً ومدرسة لتعليم الدين واللغة العربية لأبناء المسلمين الجدد في بلاد المهجر.
2- أقام أربعة منازل جعلها وقفاً للمسجد والمدرسة.
3- أوفد مجموعة من الطلاب اليمنيين للدراسة في الأزهر الشريف، ولذلك قيل «فإن الحكيمي سبق الأزهر» أي في كارديف بريطانيا.
4- بنى في الشيخ عثمان (عدن) مدرسة ثم أسس مدرسة أخرى في منطقة الاحكوم الحجرية.

سابعاً: الأفكار والآراء التربوية:سعى الشيخ الحكيمي الى اصدار كتب إسلامية توضح للأجيال الجديدة من المسلمين في بلاد المهجر (بريطانيا) دقائق الدين الإسلامي والى اقامة مسجد ومدرسة للمسلمين وأحاطهما بخمسة منازل خصص إيرادها للإنفاق على المسجد والمدرسة، كما عمل على تأسيس زاوية ومدرسة في مدينة الشيخ عثمان عام 1940م. وكان الشيخ الحكيمي يسعى دائماً الى التغيير والى التطور وكان يرى أن الشعب اليمني لا يمكنه التحديث والتقدم إلاّ عن «طريق العلم وعن طريق العقول النيرة والمفكرة التي ستكون مفتاح الخلاص على يدها»، وأثناء عودته الى مسقط رأسه الأحكوم وبعد غياب ما يقرب من عشرين عاماً هاله ما وجد أبناء بلده يعيشون في ظلام دامس وجهل وفقر وتخلف، فقرر في الحال بناء مسجد كبير ومدرسة تتسع لأكثر من مائتي طالب لأبناء الاحكوم والمناطق المجاورة وخصص لها أربعة أساتذة وتولى الانفاق عليهم وعلى الطلبة الذين توافدوا للدراسة من مناطق بعيدة»، وكان يرى الشيخ الحكيمي أثناء وجوده في اليمن بعد قرار العودة عام 1940م ضرورة أن يضع شيئاً لوطنه يسهم في تغيير واقعه المرير «اذا كان ممن يرون أن انتشار العلم بين أهالي البلاد وأبنائها هو بداية الخطوات لتقدم البلاد ورفع شأنها».
والحقيقة أن الجانب التربوي كان الشغل الشاغل ومن اهتمام الشيخ الحكيمي الذي «كان يؤمن بالعلم وبروح التغيير لأن العلم في نظره هو النور الذي يبدد ظلمات الجهل والجهالة والعلم تستضيء به القلوب والعقول». وكانت الزاوية ومسجد «نور الإسلام» اللذان شيدهما الحكيمي في كارديف كانا يؤديان دوراً كبيراً في تعليم وتثقيف وترشيد النساء المسلمات وأبناء المسلمين باللغتين العربية والانجليزية الى جانب العلوم التي يتلقونها في المدارس هناك، وكان الحكيمي يطالب بإلحاح علماء الأزهر والحكومة المصرية قبل وبعد قيام الثورة المصرية ويطالب بقية الدول والمؤسسات العربية ويذكرهم بواجبهم الديني والقومي نحو هؤلاء الاطفال ونساء العرب والمسلمين لتنشئتهم وتربيتهم تربية إسلامية.. الى جانب ذلك حدد الشيخ الحكيمي سياسة سير صحيفة «السلام» في أحد أهدافها الستة:
«الدعوة الى نشر الثقافة العامة حتى لا ينالها غني لغناه ويحرم منها فقير لفقره ندعو الى الثقافة العامة بأوسع معاني الكلمة لأنها كانت ومازالت عُدة المرء في سعيه والسلاح الوحيد الذي تتفاضل به الشعوب، من يمتلك الثقافة والعلم يسعد ويسبق ويسر ومن تخطئه الثقافة والعلم يشقى ويتخلف ويستبعد».
وفي مجال تعليم المرأة: يرى الشيخ الحكيمي من خلال ما جاء في صحيفة «السلام» والمدون في كتاب «دعوة الأحرار» ص254 «عليك حقك في التعليم حق مقدس فتمسكي به ولا تساومي فيه». ويستطرد القول في تعليم الفتاة العربية «قلت إن التعليم حق لك مقدس ولكن فكري طويلاً وعميقاً في نوع التعليم الذي يقدم اليك او يراد أن يفرض عليك»، «إن تعلمك لا يزال الى اليوم تعليماً نظرياً يهتم بالقشور دون اللباب والعرض دون الجوهر تعليماً لا يهيئك للاضطلاع بوظيفتك في المجتمع كفتاة، فزوجة، فربة البيت، فأم، فمواطنة صالحة، أنت تعيشين في عصر يزخر بالثقافات والمعرفة ويموج بالمشاكل أشتات منوعة، وكما يعترف هذا العصر للمرأة بحقوقها يلقي على عاتقها أثقالاً من الواجبات والمسؤوليات.. أنت يا سيدتي روح المجتمع العربي فلابد أن تكون هذه الروح أقوى وأصلب من الفولاذ، أنت النصف الذي يفتقده ذلك المجتمع العربي وبدونك سيظل نصف مجتمع، نصف منتج، نصف متقدم» («دعوة الأحرار»، ص255) ولهذا فالأسرة المتعلمة في نظر الشيخ الحكيمي هي المدرسة الأولى التي تتعهد الطفل بالتربية وأنها الأساس في تكوين شخصيته بما تتضمنه من اتجاهات وعادات ومفاهيم وأساليب سلوكية
الوسائط التربوية عند الشيخ الحكيمي:
إن التربية ليست قاصرة على البيت والمدرسة، بل أن ما يتم خارجها قد لا يقل عنهما أهمية، فالوقت الذي يقضيه الفرد خارج البيت والمدرسة متفاعلاً مع غيره من الأفراد قد يترك أثراً كبيراً في نفسه، كما أن العديد من المؤسسات في المجتمع تؤثر في تربية الفرد وعلى اتجاهاته وتتمثل الوسائط التربوية عند الشيخ الحكيمي في التالي:
1- المجسد 2- الأندية والجمعيات 3- الصحافة.
1- المسجد:
سعى الشيخ الحكيمي، كما سبق القول، الى بناء المساجد والاهتمام بها في داخل اليمن وخارجه، ومن خلالها أدى رسالته التربوية في تزويد المسلمين في المهجر بالمعارف الدينية والمبادئ الروحية والقيم الخلقية وبث الفضيلة ونشر الثقافة الإسلامية. وفي المسجد يتجلى العدل والمساواة بين الغني والفقير والكبير والصغير لا تمييز ولا تفريق، فضلاً عن الاحتفالات الدينية التي كانت تقام في المناسبات المختلفة، فالكل عباد الله ودين الله واحد اجتمعوا ليذكروه ويخشعوا له في بيت من بيوته (انظر كتاب «دين الله واحد» للشيخ الحكيمي، الطبعة الأولى 1952م والطبعة الثانية 2000م).

2- الأندية والجمعيات:
سعى الشيخ الحكيمي الى إنشاء بعض الأندية والجمعيات التي تعود على الفرد المسلم بالنفع حيث يجد فيها فرصة لتنمية مداركه ومواهبه وإكساب مهارات وقيم خلقية حسنة، ومن ذلك عمل على تأسيس الجمعية الإسلامية في هولندا (1934م) والجمعية الإسلامية العلوية في بريطانيا (1936) ومركز نور الإسلام عام 1937م في كارديف الى جانب ترؤسه الاتحاد اليمني بعدن. وقد ساهمت تلك الجمعيات بدور تثقيفي وتعليمي من خلال الأهداف التي رسمت لها ومنها:-
1- تعليم القراءة لأبناء المسلمين وتدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية.
2- إنشاء مكتبة عامة باللغة العربية وتزويدها بمختلف المطبوعات والمصادر الإسلامية.
3- تقوية الروابط الاجتماعية والثقافية بين المسلمين وغير المسلمين.
4- دعم جسور الصداقة والتواصل بين المسلمين في بريطانيا وخارجها وتبادل العلوم والآداب الإسلامية.

3- الصحافة:من الممكن أن تعتبر الصحافة مدرسة متنقلة، والدور الذي لعبته صحيفة «السلام» التي أصدرها الحكيمي عام 1948م هي خدمة الوطن في المهجر، حيث هدفت الى سلامة التوجيه وتحري الحقيقة وإصلاح ذات البين فيما تنشر أو تصور أو تنتقد أو توجه. ولا ينكر أي شخص كائن من كان أن ينكر ما لصحيفة «السلام» من تأثير كبير في توجيه أبناء المهجر بأهداف سياسة المستعمر في عدن وحكم الإمامة في الشمال، وقد حدد الشيخ الحكيمي سياسة سير صحيفة «السلام» في أحد أهدافها الستة «الدعوة الى نشر الثقافة العامة حتى لا ينالها غني لغناه ويحرمها فقير لفقره، ندعو الى الثقافة العامة بأوسع معاني الكلمة لأنها كانت وما زالت عدة المرء في سعيه والسلاح الوحيد الذي تتفاضل به الشعوب من يمتلك الثقافة يسعد ويسبق ويسر، ومن تخطئه الثقافة والعلم يشقى ويتخلف ويستعبد». وحينما تنتقد صحيفة «السلام» فإنما يكون من أجل التوجيه والاصلاح لا بقصد الهدم والتضليل ورغم من أن الصحيفة لم تنتشر بين جميع أبناء الوطن، حيث الأمية كانت ضاربة أطنابها في أوساط المجتمع اليمني، إلاّ ان أثرها محسوس وملموس مما أثار غضب الأئمة وسعوا الى مضايقة الشيخ الحكيمي من خلال تكليف حسن ابراهيم ممثل اليمن في لندن الى إيجاد المشاكل ضده والتآمر عليه.

ثامناً: الخلاصة:من خلال الوسائط التربوية والفكر التربوي تنوعت أساليب الشيخ الحكيمي التربوية، حيث لم يترك وسيلة ناجحة استطاع أن يوصل بها الوعي والهدى للناس إلاّ طبقها ويمكن حصر وسائله التربوية من خلال الاستنتاجات من بعض كتاباته ونشاطاته هي:
1- التربية والتعليم وإنشاء المدارس.
2- الخطب والدروس الدينية والمواعظ وإنشاء المساجد.
3- البعثات العلمية الى بلاد المهجر.
4- الكتابة وإصدار صحيفة «السلام».
5- تأسيس الأندية والجمعيات الثقافية والفكرية.
6- عقد الندوات والحلقات العلمية.
7- تشجيع المبادرات الخيرية.
8- ربط بلاد المهجر باليمن لغة وروحاً.
9- بث روح الأمل في الشعب اليمني ودعوته للتخلص من حكم الإمامة والاستعمار.
10- مهادنة الادارة الاستعمارية في عدن والنظام الملكي في الشمال وإنشاء العلاقات التهادنية معهم 
لغض النظر أو الطرف عن نشاطه الديني والسياسي.
11- إحياء قيم اليمنيين وماضيهم وتاريخهم وأمجادهم في نفوس الشعب اليمني الأمُي.
12- الدعوة الى الاجتهاد والتفتح الأصيل والتمسك بالقيم الفاضلة.
13- الابتعاد عن الصراعات الهامشية والطائفية.
14- بث روح الأمل في الشعب اليمني ودعوته للتخلص من غشاوة اليأس والقنوط التي غرسها النظام الإمامي في نفسية الشعب اليمني.
ومرة أخرى يمكن القول أن الشيخ الحكيمي لم يلق حتى الآن ما يستحق من الدراسة والبحث، فنحن الى يومنا هذا لم نجمع مؤلفاته لنعيد طبع ما نشر ونطبع المخطوط منها وهو كثير وهذا أضعف الإيمان، ودراسة انتاج الحكيمي ودوره الإصلاحي في كل المجالات يحتاج الى بذل جهد ليس باليسير اذا ما أردنا لهذه الندوة أن تكون منهجية تحليلية لا تكتفي بالوصف والاستطراد والتجميع، فدراسة انتاج الحكيمي تعني عملياً دراسة نشوء وتطور الحركة الوطنية والمناخ الثقافي في يمن الأئمة والانجليز والمؤثرات العربية في كل هذه الظروف..هذا ما تيسرت معرفته وإعداده في هذه الورقة المتواضعة في ظل غياب كثير من المعلومات عن الشيخ الحكيمي.
< بعض المصادر والمراجع التي استقت الورقة منها المعلومات:
1- الشيخ عبدالله علي الحكيمي، «دعوة الاحرار»، الطبعة الثانية، صنعاء 2000م، مؤسسة الثورة للصحافة والنشر.
2- الشيخ عبدالله علي الحكيمي، «دين الله واحد»، الطبعة الثانية، صنعاء 2000م مؤسسة الثورة للصحافة والنشر.
3- الشيخ عبدالله علي الحكيمي، «الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام»، الطبعة الثانية، صنعاء 2000م، مؤسسة الثورة للصحافة والنشر.
4- الشيخ الحكيمي ثائر ومفكر ندوة اليوبيل الذهبي لصحيفة «السلام»، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، ديسمبر 1998م.
5- الموسوعة اليمنية، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، الطبعة الثانية 2003م.
6- عبدالملك الشيباني، كتاب «مسيرة الاصلاح»، دار السلام، تعز، 1993م.
7- عبدالله فارع العزعزي، «اليمن من الإمامة الى الجمهورية»، دراسة في الخلفية التاريخية لثورة 26سبتمبر 1962م، صنعاء، المنتدى الجامعي للنشر والتوزيع، 2001م.
8- أعداد متفرقة من مجلات «الحكمة» و«الكلمة» و«اليمن الجديد».
9- قائد محمد طربوش، «تاريخ عشائر محافظة تعز»، 2000م.
10- بدر سعيد الأغبري، «التربية والتعليم في اليمن»، صنعاء، دار الشوكاني للطباعة، الطبعة الثالثة، 2004م.
11- فؤاد عبده الحاج البعداني، «الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي»، (1900 - 1954م)، فكره الإسلامي وجهوده الاصلاحية، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، العراق، 2003م.

* ورقة مقدمة الى ندوة الشيخ الحكيمي بمناسبة مرور خمسين عاماً على وفاته4 أغسطس 2004م
كلية التربية - جامعة صنعاء

قرت اراءة في صفحة من صفحات تاريخ الثورة اليمنية المجيدة
الشيخ الحكيمي وقصته مع الحرية
منطقة الميدان - زكو - كريتر أوائل القرن الماضي

محمد زكريا

علم من أعلام الحركة الوطنية ظهر في ظروف وأوضاع سياسية صعبة واجتماعية معقدة في اليمن في عهد الحكم الإمامي، سواء كان ذلك قبل أن تشتعل ثورة 48م أو بعد أنّ انطفأت جذوتها لأسباب مختلفة لسنا هنا في صدد الحديث عنها . فقد ظن النظام الإمامي أنّ رياح الثورة ، قد سكنت ، وأنّ قادة الأحرار ، قد كسرت شوكتهم ، وأنّ الحركة الوطنية برمتها ، قد دفنت إلى الأبد بعد أنّ علقت الكثير من رءوس على المشانق ، وزج البعض منهم في غياهب السجون البشعة والآخرون نكل بهم وشردهم، ولكن هناك من قيض لصوت الحق والحرية.. رجال ضحوا بكل غالٍ ونفيس حيث فضحوا أساليب وطرق الحكم الإمامي الاستبدادي الذي أذاق اليمنيين العذاب الغليظ. ومن هؤلاء الذين حملوا مشعل نور الحرية والحركة الوطنية في تلك الأوضاع السياسية السوداوية والمخيفة التي ألقت بظلالها القاتمة على اليمن واليمنيين هو الشيخ الجليل عبد الله علي الحكيمي الذي سطر بحروف من نور قصة الحرية الذي وهب نفسه لها ، ومات من أجلها . والحقيقة كلما أوغلنا في سيرة الشيخ عبد الله الحكيمي الثائر والمفكر ، ازددنا إيمانًا ورسوخًا بقوة شخصيته , وشجاعته الهادئة ، وجرأته الواضحة ، وأنه لا يخشى في الله لومة لائم ، وقدرته على احتمال المكاره التي أحاطت به من كل مكان ، وكلما أحاطت به عواصف ، ونتوءات الظلم من كل مكان و علت أمواجها العاتية في وجهه ازداد قوة وصلابة وعزيمة لا تلين في مواجهتها والوقوف أمامها .

الحرية والوحدة

الحكيمي مع الرئيس المصري الأسبق/ محمد نجيب في سبتمبر 1952 أثناء عودته إلى عدن

لم يتخل الشيخ عبد الله الحكيمي عن مبادئه قيد أنملة المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة حتى آخر رمق في حياته ، وكان له نظرة عميقة ورؤية واسعة بأنّ نظام الإمامة في اليمن وأذنابه يسعون سعيا حثيثا إشعال فتنة التفرقة بين اليمنيين حتى لا يشكلون قوة واحدة ضد أساليبه السياسية القمعية والدامية ، فقد كان يرى الشيخ الحكيمي أنّ وحدة اليمنيين هى القوة الصلبة التي ستتحطم عليها الإمامة والتخلف والجهل . وهذا ما أكد عليه الباحث البريطاني فرد هوليدي قائلاً : “ وركز (أي الحكيمي) أيضا على الوحدة مذكرا بأثر الخلافات القبلية والمناطقية بين اليمنيين مؤكدا : لا زيود ، ولا شوافع ، ولا عدنانيين ، ولا قحطانيين ، لا صنعانيين ، ولا عدنيين، لا جبليين ولا تهاميين ، لا لحجيين ، ولا أبينيين ، ولا بيحانيين ، ولا حضرموميين“. والحقيقة أنّ الشغل الشاغل والهم الأول الذي كان يحمله الشيخ الحكيمي على كتفيه هو وحدة صف اليمنيين سواء في داخل اليمن أو في المهجر . ويقول الباحث البريطاني هوليدي بأنّ الشيخ عبد الله علي الحكيمي كان دائما وأبدا يصرح بأنّ على اليمنيين أنّ يكونوا صفا واحدا لأنّ الإمامة تعمل على تفتيت الأمة وتبذر بذور التفرقة لإخماد صوت الحق والعدل والمساواة في اليمن وبذلك تتمكن من إخماد جذوة الحركة الوطنية ، وينقل الباحث البريطاني عن الشيخ الحكيمي رسالة بعثها إلى المهاجرين اليمنيين في كارديف ببريطانيا يؤكد فيها ضرورة وحدتهم وعدم تفرقهم ، فيقول : “ حافظوا على وحدتكم ولا تنفصلوا عن بعضكم البعض والإ فأن شهرتكم ومنجزاتكم ستتلاشى وتضيع “. وهذا إنّ دل على فإنه يدل بأنّ الحكيمي وضع نصب عينيه وهو يقارع الإمام ، أنّ تكون الوحدة قوية بين اليمنيين على تباين مناطقهم ، ومشاربهم الاجتماعية ، واختلاف حظوظهم الثقافية .

من صناع ثورة 48م

والحقيقة أنّ الشيخ عبد الله الحكيمي تبوأ مكانة عاليا على خريطة الحركة الوطنية ، وكان له الدور الرائد والرائع في النضال ضد نظام الحكم الإمامي سواء كان ذلك قبل قيام الثورة الدستورية سنة 48م أو بعد أنّ انطفأت جذوتها ، فلم يكن من المساهمين في الثورة الدستورية فحسب ولكنه كان من نسيجها هو ورفاقه أمثال زيد الموشكي ، أحمد المطاع ، الأستاذ النعمان, والشاعر والأديب الشهيد محمد محمود الزبيري وغيرهم من رجالات الثورة وبعبارة أخرى كان الحكيمي من صناع أحداث الحركة الوطنية وجزء لا يتجزأ من منها وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، بقوله : “ . . . أنّ الأستاذ المرحوم عبد الله الحكيمي لم يكن مجرد مشارك أو على علاقة بحركة المعارضة اليمنية قبل ثورة 1948م أو بعدها بل كان في الواقع جزءًا منها ، بل وعنصرًا فاعلا من أهم عناصرها “.

أهم صفاته

و الحقيقة تميز الشيخ عبد الله الحكيمي بالحركة والنشاط الدائمين في فضح أساليب نظام آل حميد الدين التعسفية والقمعية الذي كمم الأفواه ونشر الجهل والفقر بين اليمنيين من ناحية وعزل اليمن سياسيا عن محيطه العربي والدولي من ناحية أخرى . وأهم صفات المناضل الحكيمي أنه كان جريئًا وشجاعًا ـــ كما قلنا سابقا ـــ فإنه كان يوقع مقالاته النارية ضد نظام الحكم الإمامي باسمه الصريح في “ صوت اليمن “ . “ أنه ( أي الحكمي ) كان يراسل صحيفة المعارضة التي صدرت في عدن باسم صوت اليمن . وتنشر مقالاته بتوقيعه صراحة ، وذلك بعد خروجه من كاردف ، على عكس كثير من المقالات والأخبار التي كانت تنشر بها ، سواء لأناس كانوا داخل اليمن أو كانوا في خارجها ، فكانوا ينشرون بدون توقيع ، أو بأسماء غير أسمائهم “ . وهذا ما أكده أيضا ً فريد هوليدي بأنّ الحكيمي ، كان له الدور الكبير في ثورة 48 م وما بعد فشلها . وفي هذا الصدد ، يقول : “ مهما يكن . . فإن هم (( الحكيمي )) في الفترة الأخيرة ، كان سياسيًا ، وكانت قضيته الرئيسية هى مناصرة ثورة 1948 م في شمال اليمن ، وكان من البين أنه ارتبط بمعارضة اليمنيين الأحرار أثناء عودته إلى اليمن ، وما إنّ ظهرت صحيفة (( السلام )) حتى جعل يستغلها في إعادة نشر الانتقادات ضد السلطة في الشمال “ . وينشر الباحث البريطاني رسالة من الحكيمي إلى الإمام ينتقد فيها نقدا لاذعا أساليب حكمه تجاه الرعية ، قائلا ً : “ ليس من العدل يا صاحب الجلالة أنّ الأسرة الملكية تعيش حياة سعيدة هانئة بينما آلاف المواطنين يموتون من الجوع ألا تدري أنّ موظفيك لا يتصرفون بأي وازع من المسؤولية بل كتجار يبيعون ويشترون المواطنين ؟ . أنّ اليمن بلد زراعي ملئ بالخيرات وباستطاعته أنّ يعيل حوالي عشرة ملايين إنسان لو توفرت له إدارة مسؤولة ( مسئولة ) تدير البلد ومواطنيه بطريقة عصرية لكن اليمنيين البائسين يعانون من شدة الجوع في وطنهم ويضطرون لمغادرة اليمن إلى البلدان الأجنبية بحثاً عن لقمة العيش “ .

بذور الثورة

والحقيقة أنّ الشيخ الحكيمي لم يكن ثائرًا فحسب على الأوضاع السيئة في اليمن جراء نظام الحكم الإمامي البشع بل كان يحمل في ثناياه فكرًا مضيئا ً كان بمثابة نبراس يضيء للآخرين طريق الحرية والإنعتاق من قيود الجهل والتخلف ، ولذلك عمد إلى إصدار صحيفة “ السلام )) في كاردف ببريطانيا في السادس من ديسمبر سنة 1948م . والجدير بالذكر أنّ ظهور تلك الصحيفة ، كان بعد فشل ثورة 48م مباشرة أي لم يمض على ذهاب ريحها عشرة أشهر , وكانت الحركة الوطنية التي خيم عليها الإحباط في أمس الحاجة إلى بصيص من نور يعيد لها الأمل في مقاومة نظام الحكم الإمامي المستبد الذي ظن أنه قضى على الحركة الوطنية قضاءً مبرمًا وصفى الأحرار الوطنيين تصفية كاملة . وكيفما كان الأمر ، فقد كان الشيخ عبد الله علي الحكيمي متعطشا إلى معرفة التيارات الفكرية التي تدعو إلى الحرية ، وبسبب ذلك انطلق إلى آفاق واسعة وعريضة ينهل من التيارات الثقافية التي كانت سائدة آنذاك في الوطن العربي ، وجراء تجوال الشيخ الحكيمي في العديد من الموانئ والبلدان العربية والأوربية أدرك إدراكًا واضحًا الفرق الواسع والعريض بين ما يراه في بلاده اليمن التي تعيش في دياجير الظلام والبلدان الأخرى التي تأخذ بزمام التقدم والازدهار . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، قائلاً : “ وقد أتاح له ( الحكيمي ) هذا فرصة التجوال في كثير من الموانئ العربية والأجنبية مما فتح أمامه آفاقا واسعة في التفكير والتأمل والمقارنات بين ما يشاهده في تلك البلاد وبين ما في بلاده هو من تخلف وانغلاق . وكان هذا هو مجال تفتحه المبكر “ . ونستخلص من ذلك أنّ تجواله في عددٍ من البلدان العربية وغير العربية غرست في نفس الشيخ الحكيمي بذور الثورة والتمرد على الأوضاع السياسية والاجتماعية المتخلفة الذي تعيشها اليمن في ظل الإمامة أو بعبارة أخرى عمقت لديه روح التمرد على نظام الإمامة وحكمها البائس .

في الجزائر

وفي مدينة مستغانم بالجزائر ألقى الحكيمي عصا الترحال ، وهناك تشرب عقله وروحه علوم الصوفية والدين واللغة العربية وفروعها المتنوعة . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور سيد مصطفى سالم : “ وفي مستغانم بالجزائر ألتحق بالزاوية العلوية ، والتقى بأستاذه ومربية الشيخ أحمد بن مصطفى . . . وقد بقي في هذه الزاوية خمس سنوات ، وتلقى بها علوم التصوف ، واللغة العربية والفقه ، والتشريع و، والتاريخ ، والبيان. حقيقة أنّ الشيخ الحكيمي ، ألتحق بالزاوية الشاذلية العلوية ودرس على مربيه وشيخه أحمد ابن مصطفى العلوي علوم التصوف والدين ، واللغة العربية ـــ كما قلنا سابقا ً ــــ ، ولكن كان الشيخ الحكيمي يحمل في ثنايا روحه التمرد على نظام الحكم الإمامي في اليمن . ونتجرأ ونقول أنّ الحكيمي ، جمع بين الصوفية والسياسة في آن واحد أو بعبارة أخرى ، كانت الصوفية تمده بالعزيمة والقوة الكبيرين في خوض الحياة السياسية لمقارعة الظلم الجاثم على اليمن آنذاك . وكان الحكيمي لا يرى بأسًا أنّ يتعاطى الصوفي السياسة أو بعبارة أخرى أنّ يخوض غمارها . وقد أوضح ذلك في رسالة لأتباعه يبين لهم بأنه يجب ويتوجب الصوفية أنّ تكون نصيرة للحق من خلال مشاركتها في دفع الأذى والظلم عن الآخرين حيث ، يقول : “ إنّ من المسلم به والمقطوع فيه أنّ منهج الحق واحد ، ودعوات المصلحين لا تختلف عن بعضها وإنّ اختلفت الأزمنة والأمكنة . . وهى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وتحرير العقائد والنفوس والعقول والرقاب من ظلم الظالمين وجور الجائرين . . . “ . وهذا دليل واضح وقاطع على مدى ما تحلى به الحكيمي من رؤية عميقة لمفهوم الصوفية الحقيقة وهى المشاركة الفعالة في المجتمع والعمل على رفع الضيم عنه ، والوقوف ضد الظلم والظالمين ، وعدم الابتعاد والعزلة عن الناس . وترك الظلم يجول ويصول دون رادع يردعه ويقف أمامه . أمّا العزلة والهروب من قضايا الناس ، فهذا ليس من الصوفية الحقيقية في شيء .

تكوينه الفكري

والحقيقة لقد أوضح لنا أبنه عبد الرحمن في كتابه عن سيرة والده الشيخ الحكيمي الأسباب التي جعلته ينضم إلى الطريقة الشاذلية العلوية الصوفية عن غيرها من الطوائف الصوفية في الجزائر أو بلاد المغرب العربي التي كانت منتشرة في طولها وعرضها بقوة هناك يومئذ أو ما هى الأسباب أو السبب المباشر الذي دفعه أنّ يكون من مريدي وأتباع الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي الجزائري . وفي هذا الصدد ، يقول : “ ترك العمل ( أي الحكيمي ) في السفن الملاحية واختار الإقامة بالجزائر لمواصلة طلب العلم واعتبر الجزائر وطنا ًثانيًا له ، عاش في مدينة مستغانم ـــ وتتلمذ على يد الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي الجزائري وهو من كبار أئمة الصوفية وعلمائها . . . وقد عرف هذا الشيخ بمقاومته للاحتلال الفرنسي . وكان يصدر صحيفة للإرشاد ومقاومة الاستعمار الفرنسي اسمها (( البلاغ )) ، وكان له أتباع وأنصار في بلدان كثيرة . . وكان هذا الشيخ من قادات ( قادة ) النهضة مثله مثل وزعماء الجزائر والمغرب العربي الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي ـــ أمثال عبد القادر الجزائري ، عبد المجيد بن باديس ، عبد الكريم الخطابي ، عمر المختار ، وأضرابهم من زعماء المغرب العربي “ . ويعد الفترة الذي قضاها الثائر الشيخ عبد الله الحكيمي في كنف شيخه الكبير الصوفي أحمد مصطفى العلوي صاحب الطريقة الشاذلية العلوية في مستغانم بالجزائر فترة تكوين فكري ووطني بالنسبة له . وهذا ما أكده الأستاذ عبد الرحمن الحكيمي ، قائلا : “ كان لشيخه أثر كبير دينيًا ووطنيًا ــــ كما تأثر بثوار المغرب العربي مثل عبد القادر الجزائري ، بن باديس ، عبد الكريم الخطابي ، و عمر المختار ــــ بفكر جمال الدين الأفغاني ، وعبد الرحمن الكواكبي . والشيخ محمد عبده ، ورشيد رضاء وأضرابهم ــــ من زعماء النهضة الفكرية والإصلاحية في الوطن العربي “ . ويسترسل عبد الرحمن ، فيقول : “ وكان هذا البنيان الفكري والإصلاحي الأساس والخلفية لفكر الحكيمي ، الديني ، والوطني والإصلاحي الذي وصفه وكرسه لخدمة أبناء وطنه في المهجر وداخل الوطن” . ونستخلص من ذلك أننا أمام مفكر كبير حمل فكرًا مستنيرًا يدعو دائمًا وأبدًا إلى رفع إنسانية الإنسان وهو تبديد سحب الجهل الكثيفة على أمته من جهة وتعرية النظام الإمامي البشع في اليمن من جهة أخرى .

في كارديف

و يتساءل المرء من الأسباب التي دفعت بالثائر الشيخ الحكيمي أنّ يترك مستغانم بالجزائر بعد خمس سنوات ؟ . والتي كان ملازمًا فيها الحضرة الصوفية في ظل شيخه أحمد مصطفى العلوي والتوجه إلى كاردف في بريطانيا والمكوث بها ؟ . الصورة الظاهرة أمامها هو أنّ الغاية من التوجه إلى هناك هو تأسيس الجمعية الإسلامية الشاذلية العلوية والتي أسست في 22 يونيو 1936م لتعريف الجالية العربية بأمور الدين . ولكن روح الشيخ عبد الله الحكيمي الثائرة والمتمردة الوثابة على الظلم والظالمين هى التي دفعته دفعًا إلى تبصير المهاجرين اليمنيين بحقيقة الظلم الواقع على كاهل أهلهم في اليمن من الإمام الظالم . فقد أعتقد الثائر الحكيمي اعتقادًا جازمًا بأنه يستطيع أنّ يؤجج مشاعر المهاجرين اليمنيين ضد نظام حكم الإمامة والجرائم الذي ارتكبها بحق اليمن واليمنيين . بالرغم أنّ الكثير منهم كانوا من الريف أي من العامة الذين يرون أنّ الخروج عن طاعته هو الانسلاخ عن الملة ، فكانوا من المعارضين للشيخ الحكيمي . وفي هذا الصدد يقول فريد هوليدي : “ قوبل هذا الموقف المعارض للإمام كما يبدو بمعارضة كبيرة من داخل جالية (( كارديف )) . . . والظاهر أنّ عدة عوامل ، قد لعبت دورًا كبيرًا في ذلك ويأتي في مقدمتها أنّ كثيرًا من المهاجرين في جالية (( كارديف )) يتمسكون بولاء قوي للأفكار والتصورات التقليدية اليمنية والإسلامية معًا ، وكان من الواضح أنهم واقعون تحت تأثير الفكرة الإسلامية القائلة بأنّ الإمام زعيم ديني ودنيوي في وقت واحد وعليه فإنّ انتقاده في الأحوال العادية يعد خروجًا على الدين . . . “

إنجازاته الرائعة

وعلى أية حال ، على الرغم من الصعوبات الكأداء التي وقفت في طريق الشيخ الحكيمي في كارديف ، فإنه استطاع أنّ يرفع الغشاوة عن المهاجرين اليمنيين البسطاء الذين لا يحملون ثقافة عالية ـــ كما قلنا سابقا ـــ بالظلم البين والواقع على اليمن واليمنيين من الإمام وحاشيته. وفي هذا الصدد ، يقول فرد هوليدي “ كان إنجاز الحكيمي في تنظيم اليمنيين المهاجرين في بريطانيا إنجازاً متميزًا ويرجع ذلك أولا وقبل كل شيء إلى طبيعة المنطلق الذي تبنته جمعيته ( الجمعية الإسلامية العلوية ) وتناهت أصداؤه إلى اليمن نفسها خصوصًا أنّ جريدته ( أي جريدة السلام ) كانت صوتا ً من الأصوات القليلة التي علت ضد الإمام في سنوات الظلام ما بين 1948م ونمو المعارضة في عدن في منتصف الخمسينيات “ .

في عدن

وكيفما كان الأمر ، فإنّ الشيخ الحكيمي بعد أنّ ثبت أقدام الطريقة الصوفية العلوية في كاردف ببريطانيا ، وفضح أساليب نظام الإمامة في اليمن للمهاجرين في كاردف بصفة خاصة وبريطانيا بصفة عامة و نشر بينهم روح الثورة والتمرد وجد من الضرورة بمكان أنّ يعود إلى موطنه الذي غاب عنه فترة طويلة لإرساء فيه نور العلم والمعرفة لأنه أمضى سلاح في مقارعة الظلم والظالمين . وفي هذا الصدد ، يقول عبد الرحمن عبد الله الحكيمي : “ قام الحكيمي بعد وصوله إلى عدن عام 1940م بافتتاح مدرسة للإرشاد والتعليم في مقره بالشيخ عثمان . وكان الإقبال كبيرًا من طلاب العلم ورواد المعرفة . . وقد استقدم الحكيمي من الأزهر الشريف الشيخان عثمان عبد الله الأزهري ، وعلي ناصر العنسي “ .

في تعز

والحقيقة أنّ الشيخ الحكيمي ، في أثناء وجوده في عدن ، كان يمد بصره إلى قريته ويحن إلى مسقط رأسه المحرومة من نور العلم والمعرفة . وفكر وقرر الحكيمي الذهاب إلى مسقط رأسه في الأحكوم بقضاء الحجرية بتعز ، وإنشاء مدرسة لأبنائها . وفي هذا الصدد ، يقول عبد الرحمن الحكيمي: “ نتيجة المضايقات من سلطات عدن الاستعمارية التي فرضت حظرًا لمنع كل النشاطات أيًا كانت في إبان محنة بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية . . قرر الحكيمي مغادرة عدن إلى شمال الوطن مسقط رأسه (( الأحكوم )) . وأقام في بلدته مسجدًا ومدرسة على نفقته . وكان الإقبال على الدراسة كبيرًا من أبناء الأحكوم والمناطق المجاورة . . بل ومن بعض نواحي اليمن . . استمرت هذه الدراسة في أداء رسالتها قرابة ثلاثة أعوام “ . والحقيقة أنّ الإقبال الشديد على المدرسة أزعج ولي العهد ( احمد ) وأمير تعز آنذاك ، فعمل على مراقبة الشيخ الحكيمي وتضيق الخناق عليه ولكن في الأخير تمكن الحكيمي من الهروب من قبضة سيف الإسلام ( أحمد ) و العودة إلى عدن سنة 1943م مرة أخرى . وبمجرد عودته إلى عدن زاول نشاطه بهمة عالية في ميدان العلم كعادته . وفي هذا الصدد ، يقول عبد الرحمن الحكيمي : “ وعلى إثر وصوله إلى عدن أعاد نشاطه وسير الدراسة لطلاب العلم في منزله بالشيخ عثمان . . وقد تخرج الكثيرون من طلاب تلك المرحلة علمًا وفكرًا وأدبًا ، وثقافة. وأتت أكلها وعادت بثمار طيبة على طلابها والذي أسهم بعضهم في حقل التربية . وفي خدمة الوطن تحت رعاية وإشراف الحكيمي “ .

صحيفة “ السلام “ 

بعد فشل ثورة 48 م ظن الإمام أحمد وزبانيته أنهم قضوا على صوت المعارضة، وبعد عشرة أشهر من فشل الثورة . أصدر الثائر والمفكر الشيخ الحكيمي جريدة “ السلام “ لتكون صوتا ً للمعارضة مرة أخرى فتهز أركان السلطة الفاسدة في اليمن من خلال فضح أساليبها . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ جريدة “ السلام “ أعادت الروح والأمل من جديد إلى جسد الحركة الوطنية . وهذا ما دفع الأستاذ الدكتور علوي عبد الله طاهر أنّ يصف “ السلام “ بأنها أعادت نبض الحياة للأحرار الوطنيين ، قائلا “ . . . أتت صحيفة ( السلام ) لعبد الله الحكيمي لتعيد للحركة الوطنية روحها ، وتبعث فيها الحياة من جديد “ . ويصف عبد الله طاهر بأنّ ظهور صحيفة “ السلام “ على سطح الحياة السياسية جاء في أوضاع وظروف سياسية قاتمة . فقد يئس الكثير والكثير جدًا من أبناء اليمن وعلى رأسهم الأحرار اليمنيون بأنه لم ولن تشرق الشمس مرة أخرى على اليمن بعد أجهز الإمام (( أحمد )) على الثورة والثوار . وفي هذا الصدد ، يقول “ . . . ظهرت ( صحيفة السلام ) في أحلك الظروف وأشدها قتامه بالنسبة للشعب اليمني ، إذ جاء صدورها في وقت كانت القلوب ، قد بلغت الحناجر من جراء النكبة التي أصيبت بها الحركة الوطنية . فقد كان الإمام أحمد يحصد الصفوة المختارة من أبناء الشعب اليمني من شباب متنورين ، وعلماء أفاضل ، وشيوخ قبائل شرفاء ولذلك دب الخوف والفزع في أنحاء اليمن بعد المجازر الرهيبة التي قام بها الإمام أحمد وبالذات بعد مطاردة رجال الانقلاب واعتقال أكثرهم وهروب الباقين “ . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ الحركة الوطنية ، كانت بعد فشل ثورة 48 م تعيش في نفق مظلم وعندما ظهرت “ السلام “ في تلك الأوقات الحالكة والبشعة ، فقد أخرجتها من ذلك النفق المظلم إلى النور ، وأعلنت للملأ أنّ صوت المعارضة مازال موجودًا بالرغم من فشل الثورة ، وأنّ رايات الحرية سترفرف فوق ربوع اليمن عما قريب .

“ دورها في المهجر “

والحقيقة أنّ صحيفة “ السلام “ تميزت عند صدورها في السادس من ديسمبر سنة 1948 م بمقارعتها للإمام بصورة واضحة مباشرة . وكان لظهور أعداد “ السلام “ في عدن أثر إيجابي على نفوس اليمنيين الأحرار بصورة خاصة واليمنيين بصورة عامة. وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور علوي طاهر : “ في تلك الظروف العصيبة ظهرت صحيفة ( السلام ) في بريطانيا وحملتها الطائرة إلى عدن ، وفيها المقالات القوية الملتهبة المعترضة على ممارسات الإمام أحمد القمعية . . . واستقبل اليمنيون في داخل الوطن وخارجه صحيفة ( السلام ) بترحيب حار وتهافتوا على شرائها وقرأوها باهتمام ثم صاروا يراسلونها ويزودونها بالمقالات التي تشرح الأوضاع في بلادهم وبالرسائل التي يشكون فيها من الظلم والمعاناة ، ويصفون ما يلاقيه المواطن من جور وظلم وتسعف على أيدي الإمام أحمد ورجال حاشيته ، وأتباعه “ . وفي نفس السياق تشير الباحثة الأستاذ تقية حسين قاسم الصايدي بأنّ صحيفة “ السلام “ كانت تجسيدًا حقيقيا للحركة الوطنية الذي قمعها نظام الإمام الدموي بعد فشل ثورة 48 م ، فتقول : “ لم تكن صحيفة “ السلام “ التي أسسها المناضل والثوري الكبير الشيخ الأستاذ عبد الله علي الحكيمي إلا تعبيرا عن حركة الأحرار إثر ملاحقة رموزها وقيادتها بعد فشل حركة فبراير عام 1948م الدستورية والتي أطلق عليها الشهيد اليمني الكبير أبو الأحرار محمد محمود الزبيري اسم النكبة “ . وفي موضع آخر ، تصف تقية الصايدي صحيفة “ السلام“ : “ كانت صحيفة “ السلام “ أسبوعية سياسية وأدبية ظهر العدد الأول منها . . . في 6 ديسمبر 1948 م في كارديف بإنجلترا . وفي ست صفحات ، وكان قطعها 46 × 29 سم ، حيث كانت توزع في حدود ألفي نسخة ، ويباع العدد منها بستة سنتات ، أما الاشتراك السنوي فيها كان جنيها ً إسترلينيا “ . وتضيف : “ وقد لعبت هذه الصحيفة “ السلام “ دورًا فعالا ً في المهجر ، وفي عدن أمّا في شمال اليمن ، فقد كانت توزع لبعض المهتمين بصورة سرية “ .

أول صحيفة عربية ببريطانيا

ويسهب الأستاذ عبد الرحمن الحكيمي في وصف صحيفة “ السلام “ ، قائلا ً : أول صحيفة عربية تصدر في بريطانيا . وقد أصدرها الحكيمي في 6 ديسمبر 1948 م الاثنين 5 شهر صفر 1368 هـ بعد نكسة ثورة 48 بعشرة أشهر , وصدر منها مئة وسبعة أعداد . وتوقفت عن الصدور في عددها الأخير يوم الأحد ( 1 ) رمضان 1371 هـ 25 مايو 1952 م . وكان صدورها في مدينة كارديف نيوكاسل ببريطانيا “ . ويمضي في حديثه : “ وتعتبر من أبرز الصحف العربية في المهجر ، كرست لخدمة أهداف الحركة الوطنية اليمنية ، وخدمة المهاجرين اليمنيين وربطهم بقضية وطنهم وأوضاع وطنهم لتنقل أخبارهم وأشواقهم وتطلعاتهم لأهاليهم داخل الوطن وسائر المهاجرين ، وكذلك خدمة الجالية الإسلامية والمسلمين عموما ، وقضايا التحرر في الوطن العربي والإسلامي على وجه العموم “ . والحقيقة أنّ إيمان الثائر والمناضل الشيخ عبد الله علي الحكيمي بالقضية الوطنية غرس في نفسه روح الشجاعة والعزيمة والصبر في مواجهة الظلم والظالمين . وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور والشاعر والكاتب الكبير عبدالعزيز المقالح، حيث قال : “ إنّ إيمان الشيخ الجليل الحكيمي بالقضية الوطنية ، قد أيقظ إرادته وأطلق لسانه ولسان قلمه ومنحه من القوة والاحتمال ما جعله قادرا على مقاومة أعتى الأنظمة وأسوأها تعاملا ً مع رعاياه المخلصين “ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش : 

د . سيد مصطفى سالم ؛ نشاط الحكيمي قبل 1948 م ، ص 231 ، الطبعة الأولى 2001م ، الناشر : المؤتمر الشعبي العام ، مطابع دائرة التوجيه المعنوي .

فرد هوليدي ؛ الشيخ عبدالله الحكيمي ، ص 333 ، الطبعة الأولى 2001م ، الناشر المؤتمر الشعبي العام ، مطابع : دائرة التوجيه المعنوي .

عبد الرحمن عبد الله الحكيمي ؛ المناضل عبد الله علي الحكيمي صاحب صحيفة السلام حياته وجهاده (( مخطوطة )) . من أرشيف : عبد الرحمن عبد الله الحكيمي.

د . علوي عبد الله طاهر ؛ موقع صحيفة السلام في أدبيات الحركة الوطنية ، ص 273 ، الطبعة الأولى 2001 م ، الناشر : المؤتمر الشعبي العام ، مطابع دائرة التوجيه المعنوي .

تقية حسين الصايدي ؛ موقع صحيفة السلام في أدبيات الحركة الوطنية ، ص 281 ، الناشر : المؤتمر الشعبي العام ، مطابع : دائرة التوجيه المعنوي .

قدمت هذه البحوث في ندوة ( اليوبيل الذهبي لصحيفة السلام “ المنعقدة من 6 ــــ 8 ديسمبر 1998 م “ ـــ مركز الدراسات والبحوث اليمني ــــ .


العالم الجليل عمر احمد سيف سعد العفيف الاغبري


الشيخ عمر بن أحمد سيف سعد محمد عبدالله سالم العفيف الأغبري ولد بتاريخ: 20/4/ 1346هـ الموافق: 16/ 10/ 1927م في قرية الدوم – مديرية حيفان- محافظة تعز * نشأ بقرية الدوم بمنطقة حيفان ودرس في بعض الأربطة العلمية ، ثم درس الفقه وعلوم العربية لدى العلامة (حسين السقاف) في قرية (الحضارم) في ناحية الشمايتين في محافظة تعز. * أجازه عدد من العلماء، منهم: (علوي عباس المالكي)، و(حسن المشاط) في مكة المكرمة، و(محمد منير) في باكستان. * هاجر إلى أبيه في بلاد الحبشة، وعمره (11) سنة وتوفي أبوه بعد عامين من هجرته في مدينة (دروا) عام 1359هـ / 1940م . * واصل دراسته على مشائخ وعلماء أجلاء من خارج اليمن ومنهم: (عبدالله الهروي)، و(أحمد آدم الضرير)، و(عمر الأزهري)، و(محمد سراج) . * ظل يتنقل بين اليمن والحبشة حتى قيام الثورة اليمنية عام 1382هـ/ 1962م ثم عاد إلى اليمن. * عين خطيباً للجامع الكبير بصنعاء بتعيين من وزير الأوقاف حينها القاضي (عبدالكريم العنسي)، إلا أنه ترك الخطابة فيه عندما طلب منه الدعاء للرئيس (عبدالله السلال) في خطبة الجمعة، وكان وقتها يرى في ذلك امتداداً وتقليداً لعهود الإمامة البائدة. * رحل بعد ذلك إلى مدينة عدن ليعمل فيها إماماً وخطيباً لمسجد (النور) في مدينة (الشيخ عثمان)، خلفاً لـ أ.قاسم غالب الذي عين حينها وزيراً للتربية والتعليم في حكومة اليمن الديمقراطي. * هاجر مرةً أخرى إلى بلاد الحبشة وعمل في الدعوة إلى الله والتدريس، وتخرج على يده عشرات العلماء والدعاة * عاد إلى اليمن عام 1391هـ/ 1971 ومكث في مدينة تعز عاملاً في مجال الدعوة والإرشاد. * انتخب عضواً في أول مجلس شورى عن مدينة تعز، وكان ينكر على الرئيس القاضي (عبدالرحمن الإرياني) تساهله في حزم الأمور، وفي مقارعة المفسدين، وحين قتل الشيخ (محمد علي عثمان) عضو المجلس الجمهوري في مدينة تعز وهو خارج لصلاة الفجر، قال صاحب الترجمة قولته المشهورة: "أصبح الإرياني كشجرة يستظل بها كل منافق دجال"، فحصل بسبب ذلك خلاف بينه وبين الرئيس (الإرياني)، فاعتقل مدة رغم حصانته . * خرج من سجنه في عهد الرئيس الراحل (إبراهيم الحمدي)، فاختلف معه في بعض الأشياء. * انتقل عقب خلافه مع الرئيس الحمدي إلى مدينة (خمر) في محافظة عمران، لدى الشيخ (عبدالله بن حسين الأحمر)، ومكث هناك عدة أشهر. * انتقل إلى مدينة الحديدة منذ تلك الفترة حتى وفاته يرحمه الله وظل يعمل فيها داعياً إلى الله. * انتخب للمرة الثانية عن مدينة الحديدة عضواً بمجلس النواب في أول انتخابات نيابية عقب قيام الوحدة المباركة. * انضم في تلك الفترة لحزب (المؤتمر الشعبي العام)، وعمل لفترة من الزمن موجهاً لـ(الميثاق الوطني). * عين رئيساً لدائرة التوجيه والإرشاد في حزب المؤتمر الشعبي العام. * كان يبدي رأيه بقوة وشجاعة وحزم ، وله في ذلك مواقف مشهورة، منها موقفه من إقرار دستور دولة الوحدة، أثناء قيام الوحدة اليمنية عام 1410هـ/ 1990م، وموقفه من غزو العراق للكويت، وموقفه من حرب الانفصال عام 1414هـ/ 1994م. * شارك في عدد من المؤتمرات العلمية، من أبرزها مؤتمر الفقه في مكة المكرمة بالاشتراك مع العلامة (محمد بن إسماعيل العمراني)، والقاضي (يحيى بن لطف الفسيل)، وقد نوقش في هذا المؤتمر تعاطي القات، وهل هو حلال أم حرام، وقد ذهب صاحب الترجمة مع الفقيهين المذكورين إلى القول بمشروعيته. * زار كثيراً من البلدان داعياً إلى الله منها باكستان، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك والسعودية، ومصر، ولندن. * رأس الوفد اليمني لإيصال تبرعات ومساعدات أهل اليمن إلى المسلمين في بلاد البوسنة والهرسك. * كان على رأس حملة إغاثة وتبرعات لانتفاضة فلسطين الأولى وتبرع حينها بثمن داره كان يملكه في حي (الجراف) بمدينة صنعاء. * تزوج أكثر من مرة، فأنجب تسعة أبناء وست عشرة بنتاً، وقد عرف من أبنائه (أحمد) كان خطيبا مفوهاً في مدينة الحديدة، وقد توفي، ود.عبدالإله يعمل نائباً لعميد كلية الزراعة بجامعة صنعاء ، و ياسين موظف في بنك (التضامن) في مدينة تعز. يقول عنه الشيخ القرضاوي بعد وفاته رحمة الله عليه: (كان رجلا حرا مخلصا شجاعا في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم ولا نقمة ناقم، هذا العالِم هو الشيخ عمر أحمد سيف، عرفت الشيخ عمر أحمد سيف كلما زرت اليمن وجدته ديدبانا يقظا كأنما هو سيف سله الله على الباطل، سله الله للدفاع عن حوزة هذا الدين وعن حرماته، يقول الحق وينطق بالصدق، لا يتلكأ ولا يتعثر ولا يتردد، كان من المنتمين إلى الحزب الحاكم في اليمن ومع هذا ما كان يألوا جهدا ولا يدخر وسعا ولا يتردد يوما في أن يقول كلمة الحق لأعضاء الحكومة، بل للرئيس اليمني نفسه، يجابهه بما يرى أنه الحق وهذا نوع نادر من الناس، فإن مشكلتنا في كثير من علمائنا أنهم ما بين ناطق بباطل أو ساكت عن حق وإنما تضيع الأمة إذا ولد فيها مَن ينطقون بالباطل ومَن يسكتون عن الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، إذا كان الناطق بالحق شيطانا متكلما فالساكت عن الحق شيطان أخرس، كان الشيخ عمر أحمد سيف لا يسكت أبدا عن الباطل ولابد أن ينطق بالحق، كان من الذين ينطبق عليه قول الله تعالى {الَذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أَحَداً إلاَّ اللَّهَ وكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} من واجبي ومن الواجب علينا أن نرثي هذا العالم الجليل ونسأل الله سبحانه وتعالى له الرحمة والمغفرة والرضوان وأن يتقبله في عباده الصالحين ويجزيه خير ما يجزي به العلماء العاملين ويعوّضَ اليمن والأمة فيه خيرا) رثية للشيخ المجاهد والزاهد الواعظ / عمر أحمد سيف رحمه الله (13/11/1426هـ ) . ألم يشدّ وأنفس تتحسر والعقل حارَ وأكبدٌ تتفطر *** والأرض كادت أن تميد لهولنا وبحارنا لمصابنا تتفجَّر *** وجبالها دارت لنسف أصولها ونجوم أُفقٍ فوقنا تتكدر *** حقاً وأظلمت الحياة ونُغِّصت وكأنه يوم القبور تبعثر *** لما قضى (عُمَرٌ) تكون وفاته هولاً مهيلاً أو دهانا المحشر *** أسفاً أيُدفن في الثراء عقيدة وشريعة ومحدث ومفسر؟! *** نور المعارف والهدى في وجهه أرأيت بدراً يا لهول يقبر؟! *** أبكي الشجاعة والجهاد وزهده وبها على مرّ الزمان سيذكر *** ليثٌ أمام المفسدين تخالُه والمنكرات وأهلهن غضنفر *** لكنه للمؤمنين سلامة ومحبة ودعابة وميسر *** يغشى الولاة مناصحاً ومسدداً ضد الفساد وبالمصالح يأمر *** فَخُر اليمانون الأباة بجهده وبه كذا الأحباش ديناً تفخر *** كم قارع الإلحاد طول حياته لما رآه للحياة يدمر *** تخشى السجون نزاله لكنه ما خاف سجناً بل هناك يزمجر *** بل قد أجاد بنفسه وبماله من أجل أركان الشريعة يعمر *** لو كان بين المسلمين نظيره عدنا سريعاً للعُلى نتصدر *** ما كان إلا ضيغماً في عابد فاعجب لعبد كان ليثاً يزأر *** كم شدني وقت الدروس بكاؤه رغباً ورهباً وهو دوماً يجأر *** وعن الجنان حديثه وكأننا عشنا بها وبِعُرفها نتعطّر *** والحور مطلبه ولكن نفسه والمال للحوراء نقداً يُمهر *** كم كان مشتاقاً لضم حبيبه حورية تغري العقول وتسحر؟! *** فلعله نال المنى وسعادة ويكون حول الغانيات يبختر *** وإذا تلى القرآن كان مشابهاً مزمار داوود بصوت يأسر *** فالله نسأله القبول لشيخنا ولنا وشيخ دعاتنا نستغفر *** وإلى الهداة تشبهوا بجهوده ولذا المصاب وهوله فتصبروا *** حاولت كتم مصيبتي لكنها فضحت فأنهار الدموع تفجر *** هيهات .. هيهات التستر إنه خطب كبير مثله لا يستر *** شيخ عمر عرفناه صريحاً شجاعاً غيوراً صحيفة 26سبتمبر > محمد دحان رحيل الداعية الاسلامي عمر احمد سيف ترك فراغاً كبيراً فقد كان عنواناً للاتزان والوسطية وكان يمتلك قدرة واسلوباً خاصاً في اجهاض اباطيل المبطلين ودحض الخرافات والأساطير التي قد تخلل حياتنا وفلسفتنا الدينية فقد كانت تتجلى قدرته في طرح الحجة وازاحة الأكذوبة وابانة بساطة الاسلام الحنيف وكان من خلال محاضراته وخطبه في اوساط الجنود وافراد الشعب البسطاء التي تنتقل من القلب الى القلب وتحدث في القلوب تأثيراً كبيراً ولأنها تمتاز بعذوبة الاسلوب وبساطة الأمثال كانت تنجح في حمل الموضوع او القضية الى الأذهان المتعطشة لمعرفة الحقيقة الضائعة والتي يصعب البحث عنها او ايجادها فكان شيخنا الراحل ماهراً في الغوص في اعماق الفكرة او القضية او الموضوع ليستخرج لبه ويفك عقده ويبسطه للعامة فبنى في محاضراته فكراً اسلامياً معتدلاً خالياً من الدجل والخرافات التقليدية والأساطير الموروثة فكان دوره كبيراً وبارزاً واساسياً في بناء فكرنا الاسلامي المعاصر وتصحيح رؤية الشباب لحقيقة الأشياء والتشريعات الدينية الاسلامية فكان بسيطاً في فهمه في محاضرته في طريقة اسلوبه في تناوله للموضوعات وللقضايا الشائكة وبقدر حنكته التي كانت تبرز عند اللزوم بقدر ماكانت صراحته وقوة كلمته المستمدة من قوة الحق وشرعية القضية التي يناقشها ويكشف عن خباياها.. فقد غذى فكر المقاتلين طوال حياته الحافلة بالعطاء ونجح من خلال محاضراته ان يبني فكراً مقاتلاً محاججاً قوياً مستدركاً كل مايحاك للاسلام والمسلمين على الساحة العالمية متيقظاً للدور الوطني البالغ الأهمية الذي يحمله هذا الجندي المرابط على عاتقه والذي من خلال التربية الدينية والثقافية والوعي والتدريب المستمر في كافة الميادين لاشك سينجح نجاحاً عظيماً فقد عرف الشيخ عمر احمد سيف بكلمته القوية الصريحة فلم يكن يخشى في الحق لومة لائم.. رحم الله الشيخ عمر احمد سي صف الجنازة الحاشدة المهيبة للشيخ المجاهد عمر احمد سيف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحدث :وفاة الشيخ المجاهد العالم الرباني الشيخ عمر احمد سيف طيب الله ثراه ورحمه الله رحمة واسعة مكان الصلاة عليه :بعد ان صلي عليه في صنعاء حوالي الساعة الثامنة الى التاسعة صباحا نقل بطائرة خاصة الى الحديدة وبالتحديد في جامع الفاروق (هائل سعيد ) ووصل الى المسجد في الحادية عشر الا ربع قبل صلاة الجمعة وقد احضر جثمانه الطاهر ووضع في احدى زوايا المسجد وقد توافد عليه العلماء ومحبيه لتقبيله في جبينه وقد تشرفت انا ولله الحمد ايضا بتقبيله في جبينه وطبعا من فوق الكفن بمعنى انه لايظهر لنا وجهه مكشوفا بعدها توافد على المسجد الناس والمصلون من كل حدب وصوب حتى لم يتسع لهم في خارج المسجد بعد ان فرشوا االمفارش والطرابيل في خارج المسجد بعد ذلك اذن لصلاة الجمعة فأعتلى الشيخ العالم محمد علي عجلان نائب رئيس شورى الاصلاح والمدرس في جامعة الايمان والقى خطبة بليغة ذرفت منها اعيننا واعين محبيه بسبب ذكر مناقبه ومحاسنه رحمه الله وان الامة الإسلامية وفلسطين بالذات اصيبت بنكبة في موت هذ العالم المجاهد رحمه الله تعالى وهي خطبة بليغة شاملة خرجت من القلب الى القلب مباشرة ثم بعد الخطبة قدم جثمان الشيخ عمر رحمه الله للصلاة عليه فأختار اهل الشيخ عمر ان يصلي عليه الشيخ محمد حسين فقيره وهو من اقرب الناس الى الشيخ عمر صداقة واخوة وسنا فصلي عليه في المسجد ثم بعد ذلك قام الشيخ اسماعيل عبدالباري بتعزية الحاضرين والامة الإسلامية واليمن خاصة بمصابهم الجلل ونبه على ان الشيخ سيحمل على الاكتاف الى مقبرة الحاج عبدالكريم الاسودي لدفنه هناك الى جانب جملة من التعليمات للناس ومنها الالتزام بالهدوء في السير وترديد الاستغفار والتسبيح والتكبير والتهليل وان يتفكر في الموت عظةَ وعبرة . ومن ثم انطلقنا والناس المحتشدة في الخارج اكثر من الداخل بكثير فحمل جثمانه الطاهر الى شارع الستين في مقبرة الاسودي وكانت الشوارع مليئة بالناس في مشهد لم اره في حياتي الا عبر شاشات التلفزيون مثل جنازة الشيخ احمد ياسين رحمه الله تعالى والحضور من الناس وعلى كافة اطيافهم من علماء ومسئولين في المحافظة والشخصيات العسكرية من شباب وكبار السن واطفال وهم الالاف مؤلفة من البشر وكأنهم في عرفة يمشون بأرجلهم او ركبان بالسيارات خلف الجنازة وهي بالمئات وعندما وصلنا الى المقبرة كانت ممتلئة قبل ان تأتي الجنازة اليها ولم يستطع كل الناس الدخول اليها كلهم من شدة الزحام فيها وكان لي الشرف ان كنت من القلائل الذين رأوا قبر الشيخ وكنت انظر اليه كيف وضعوه في اللحد وقد كان في القبر لحمل الشيخ ووضعه فيه الشيخ عبدالعليم قاسم امام مسجد الكويت واحد طلاب الشيخ ومحبيه الى جانب اثنين من اولاد الشيخ عمر رحمه الله معه وقد كان زحام شديد جدا جدا لان كل واحد يريد ان يرى القبر ويشارك في الدفن بيده(والحمدلله على حب الناس وتقديرهم للعلماء ) وقد كان لكلمات الشيخ إسماعيل عبدالباري حفظه الله(واعتقد بوجهة نظري انه خليفة الشيخ عمر وشبيهة في قول الحق وحب الناس له ) دورا في تهدئة الناس الى جانب ترديده لكلمة الله اكبر وكل الحاضرون كانوا يكبرون معه في صوت واحد وتخيلوا الآلاف مؤلفة من الناس تكبر وبصوت عالي الله اكبر الله اكبر ومنهم الذي يبكي ومنهم المتأثر على الشيخ رحمه الله ثم بعد ذلك وضع الشيخ في اللحد وأطبق عليه وتم الدفن عليه في اجواء يخيم عليها الحزن والبكاء (بكاء رحمة وليس بكاء نواحة او بصوت عالي ) والدعاء للشيخ رحمه الله تعالى ...وانتهينا من دفنه الساعة الثالثة عصرا وقد دعا بعد الدفن الشيخ إسماعيل عبدا الباري دعاء طويل للشيخ بكى منه الحاضرون وقال ان للشيخ مناقب كثيرة ومنها مايحب ان يذكرها وهو ان الشيخ عمر تبرع بكل ماله وكل مايملك لاهل فلسطين وحماس والمجاهدين هناك وانه كان في حياته يمنح بيتا من اهل الخير فما يلبث الان ان يتبرع به ثم اعطي بيتا ثاني وثالث فتبرع بها وانه كانت للشيخ قطعة ارض أعطيت له من احد المحسنين فكلمه الشيخ اسماعيل عند زيارته له في اواخر رجب في بداية شعبان ان يجعل هذه الأرض لأولاده وبناته من بعده لانهم لايملكون شيئا فقال يااسماعيل ان بيني وبين الله عهدا الا اموت وليس لي في الدنيا سكن ولا مال ....وهذا من شدة زهدة واليقين رحمه الله رحمة واسعة مع انه خلف اولادا كثيرون لانه تزوج من النساء الكثيرعلى مدى عمره الذي تجاوز الثمانين ... وقد حضر من العلماء والدعاة الكثير الكثير جدا ومنهم الذي اعرفهم الاتي : الشيخ محمد علي عجلان (عضو مجلس الشورى نائب رئيس مجلس شورى الاصلاح والاستاذ في جامعة الايمان ) الشيخ عباس النهاري عضو مجلس الشورى الشيخ اسماعيل عبدالباري عالم من علماء الحديدة وخطيب وامام جامع الرحبي الشيخ محمد سعد الحطامي امام وخطيب جامع الزهراء ورئيس مؤسسة الزهراء الاجتماعية الخيرية الشيخ عبد العليم قاسم امام وخطيب جامع الكويت الشيخ خالد الغزالي (خليفة الشيخ عمكر في امامة وخطابة مسجد الفاروق ) الشيخ عبدالله حسن خيرات عضو مجلس النواب الشيخ عبدالله الضحوي عضو مجلس النواب السابق الشيخ محمد عاموه ومن المسؤولين اللواء علي محسن الاحمر قائد المنطقة الغربية ومحمد صالح شملان محافظ الحديدة وناصر الطهيف مدير الامن المركزي في الحديدة وكثير من المسؤولين والتجار والشخصيات الاجتماعية الذين اعرفهم والذين لااعرفهم وكلهم رأيتهم في هذا اليوم .. بصراحة يااخوان كان الجو المخيم على الناس حزين جدا ولم اشاهد في حياتي كلها مثل هذا اطلاقا بل حتى ابي وعلماء وشيوخ كبار في السن طول حياتهم لم يروا مثل هذه الجنازة ولم يروا لشيخ هذا الحب الجارف من كل الاطياف وكل الاتجاهات وكل الاحزاب وكل الحركات الاسلامية في المدينة مهما قلت فلن استطيع ان اصف ماحدث كما هو فسامحوني عنو الوصف وسوء التعبير وعدم التنسيق للمقال فوالله ان بي حزن شديد بعد فراق الشيخ لنا لاني لااتخيل الحديدة بدونه بل المسجد ومحرابه ومنبره لااتخيله بدونه ولااتخيل كذلك الجمعية الخيرية لنصرة الاقصى الشريف الذي هو رئيسها في فرع اليمن بدونه عرفته منذ كنت صغيرا ولم اعرف فضل الجهاد والمجاهدين الا منه ولم اعرف حبه وغيرته على الامة الاسلامية الا منه ولم اعرف بغضه لاعداء الله ومحاربتهم وكشفهم مخططاتهم الا منه ولم اعرف وصف الجنة ووصف النار الا منه ولم اعرف عالما ولاشيخا في قوة قوله للحق مثله فهو العالم الفقيه المجتهد المجاهد الحليم المتواضع الزاهد الذي لايخشى في قول الحق لومة لائم مهما كان ... لاادري عن ماذا اقول او اقول واقول عن الشيخ عمر فهو الذي جاهد بنفسه (في افغانستان والشيشان وكان يتمنى الشهادة في سبيله ) وهو الذي جاهد بماله وكل مايملك وهو الذي جاهد بلسانه من خلال امره بالمعروف ونهيه عن المنكر في كل مكان يذهب اليه وكان المصلح بين الناس وعند الملمات يرجع اليه الشيوخ والعلماء اذا استصعب عليهم اشياء او اشتكي اليه من تصرفات سواء كانت رئاسية او من الحكومة فكان ينصف كل شخص وينصره ... له وقفات وقصص كثيرة في جرأته لقول الحق لانه لايخاف من احد مهما كان ومنها من قوة قوله للحق ان له وقفات الكل يعرفها عن تصدية للرئيس وللحكومة في قضية التصويت الدستور حين قال للرئيس ان ادعو عليك في صلاتي كل يوم ان لم تستجب لتعديل الدستور!! وحين ذات مرة كان في ضيافة الرئيس علي عبدالله صالح في افطار في رمضان ومعه جمع غفير من العلماء والمسؤولين في القصر الجمهوري ثم اتى وقت صلاة المغرب بعد ان افطروا فقدم الشيخ عمر احمد سيف للصلاة بهم كلهم فكان في الركعة الاخيرة يدعو على امريكا ورئيسها والمتعاونين معها وكان من خلفه يؤمنون خلفه وبعد ان انهى الصلاة قال له الرئيس علي عبدالله صالح مازحا او جادا والله اعلم لقد امن الناس ورائك على دعائك لامريكا الا انا فوجه الشيخ اصبعه اليه قائلا له ومن يتولهم منكم فأنه منهم !! ومنها انه كان يوما في موعظة للناس فدخل احد المسؤولين الكبار وجلس ثم مع المحاضرة سأله احد الاشخاص قائلا له ياشيخ كيف سيصلح الناس واحوالهم فوجه الشيخ اصبعه الى ذلك المسؤول القاعد فقال عندما يصلحوا مثل هذا وامثاله سيصلح الناس لانه اذا صلح الرأس صلح الجسد !! لقد عجزت ان اصف الكثير عن ماحدث في الجنازة والوفاة وعن ذكر محاسنه ومناقبه مواقفه وسيرته العطرة فلذلك اترك الحديث لمن هو أهل للحديث عنه منكم فأرجو منكم ان يطرح كل منكم ما تدور في خاطره عن الشيخ رحمه الله ..واعتذر لاني لم ءاتي لكم بصور وقد كان في نيتي ذلك لكن كانت في حالة حزن لايعلمها الا الله ونسيت عند ذهابي للمسجد ان احضر معي الكاميرا،لكن اعدكم ان لو توفرت لي هذه الصور من الاصدقاء لنشرتها ...وقد حضرنا للمحاضرا والدروس التي القاها المشائخ والعلماء يومي الجمعة والسبت بعد صلاة المغرب في جامع الفاروق وبقي اليوم الاحد اخر يوم للمحاضرات عن الشيخ الذي لن مهما قيلت الكلمات عنه فلن يؤدوه حقه فهو فريد من نوعه يذكرك بالسلف الصالح كل ماراه وارى قوته في قول الحق اشبهه بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه واسألوا أي واحد عنه من اهل الحديدة بل اليمن وسيخبروكم عنه ..الناس تعزي بعضها البعض وكلا يقول للثاني عظم الله اجرك فليس الحزن فقط لاهله بل للناس جميعهم وبعفوية والله ان كل يعزي الاخر سبحان الله سبحان الله كيف نال هذا الحب من كل الناس ..وابشركم انها اتت برقيات التعازي من كافة الاقطار الاسلامية ومنها برقية عزاء من الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وذلك كما اخبرنا الاستاذ مفضل اسماعيل عضو مجلس النواب وكذلك اقيمت له صلاة الغائب في باكستان وبعض الدول لانه له باعا في الدعوة والتبليغ الى جانب الجهاد والى جانب دعمه لحفظه القرآن الكريم والكثير الكثير جدا من مواقفه وهو بأختصار رجل بأمة او امة برجل ... اعتذر على الاطالة ولو اني وصفي لكم قليل لكن اترك الباقي لمداخلات الاخوان واعتذر عن اي اخطاء لغوية او املائية في المقال ...وحسبي الله ونعم والوكيل اللهم اجرني في مصيبتي وابدلني بخير يارب العالمين وصبرنا على رحيله واسكنه فسيح جناته واثابه عنا خير الجزاء.

الاثنين، 28 أبريل 2014

الصحفي البارز عبدالحبيب سالم مقبل القدسي

 
عبد الحبيب سالم مقبل القدسي من مواليد قرية الزبيرة (قدس) الحجرية بمحافظة تعز عام 1961م. بدأ دراسته الأولية في القرية ثم انتقل إلى الحديدة ليدرس الإعدادية وأكمل الثانوية في صنعاء. كان ضمن أول دفعة تجنيد عام 1979

"خدمة الدفاع الوطني". توظف وهو طالب ثانوي كإداري في مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء بصنعاء. حاصل على ليسانس شريعة وقانون من جامعة صنعاء. انتقل للعمل بفرع المؤسسة بتعز، والتحق بقسم الأخبار وقسم التصحيح بصحيفة "الجمهورية". من أول الثمانينيات بدأ الكتابة والعمل كمحرر صحفي بـ "الجمهورية" . عين رئيساً لقسم التحقيقات الصحفية بصحيفة "الجمهورية" وهي مرحلة الظهور الصحفي له ولزملائه في القسم "عبد الله سعيد، عز الدين سعيد" وغيرهم، وبدأ يعرف عبد الحبيب ككاتب صحفي جريء متميز. عين نائباً لمدير تحرير صحيفة الجمهورية. بعدها تفرغ للكتابة الصحفية في أكثر من صحيفة أشهرها "صوت العمال".
عضو في نقابة الصحفيين.

عضو في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
عضو في المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية ورئيس فرعها في محافظة تعز.

عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان "القاهرة".
كان واحداً من قادة لجنة الإضراب الشهير بتعز 1991م ومن قياديي المؤتمر الجماهيري بتعز. خاض انتخابات البرلمان "مجلس النواب" في انتخابات 27/ إبريل/ 1993م وفاز عن الدائرة (35) - دائرتي الانتخابية - بمدينة تعز بأغلبية جماهيرية كاسحة.

استقال من مجلس النواب في 28/ 3/ 1995م وسبب استقالته بالفوضى داخل المجلس وعدم المصداقية والتستر على فساد الدولة ... إلخ. عين ملحقاً ثقافياً لليمن في جمهورية بولندا قبل ان يغادر الحياة صباح الأحد 22/ 10/ 1995م وذلك في ظروف غامضة بمحافظة صنعاء. دفن في موكب جنائزي مهيب صباح الإثنين 23/ 10/1995م بمدينة تعز.

كان أكبر إخوانه وترك أربعة أبناء (إشراق، إشواق، دلال، ووائل).
طبع له بعد موته كتاب "الديمقراطية كلمة مرة" وفيه جمع أصدقائه ما استطاعوا أن يجمعوه من أفضل مقالات عبد الحبيب سالم. ويعد الكتاب ثروة كتابية وسياسية وتأريخ هام لمرحلة حرجة من عمر الوطن.




استقالة عبدالحبيب سالم من مجلس النوب 
الاخ رئيس مجلس النواب المحترم
الاخوة اعضاء مجلس النواب المحترمين
السلام عليكم ورحمت الله وبركاته وبعد
انني واحد من الين انتخبهم اليمنيون كممثلون لهم فيما يسمى اعلى سلطة للشعب وهومجلس النواب..وانني افخر بالثقة الي منت اياها في معركة انتخابات ابريل 1993م التي خضتها بعزيمة ان اكون ممثلاًحقيقياً لمواطني الدائرة 35 مدينة تعز..
واذا بي اجد المجلس الذي يمثل المؤسسة الأولى ليس سوى مجلساً رديفا لأجهزة ومؤسسات الاستبداد والأستعباد داخل الدولة..
ولم يكن ضميري يستوعب العبودية والزيف اطول من هذه الاشهر.التي قضيتها ممثلاً زوراًلستة عشر مليون مواطن يمني.
وانني اتمنى من الله ان امنح وقتاً مناسباً لتفصيل الوضع الذي يعيشه مجلس النواب ويبرر كاملاً هذه الستقالة.
والى ذلك الحين اربع اليكم استقالتي حسب نص المادة( 156) من قانون المجلس متخلياًعن كافة امتيازاتي كعضو برلماني ,بين ذلك الراتب الشهري الضخم الذي تقطعه هيئة رئاسة المجلس شهرياً بدون سند قانوني ,وجواز سفر دبلماسي لاتحترمه سوى السفارات الأجنبيةومكاتب شركات الطيران الاجنبيةوالحصانة البرلمانية التي انتهكها الأمن السياسي وينتهكها الجنود في نقاط التفتيش غير الدستوريةوفي المطارات وحتى داخل مجلس النواب مثل غيرى من الأعضاء والمواطنين.
ولعلني حقيقة سافتقد هذه الفوضوية التي تعيشونها وسافتقد المخالفات اليومية للقانون والدستور داخل المجلس ..وحسبي اني تعلمت حلال ستنين ان السلطة الفاسدةوالديمقراطية لاتجتمعان فالسلطة مفسده حقاً..وكدت اعذر رئيس الدولة ونائبه ومستشاريه والوزراء والقادة والمدراء وكل صاحب مركز.. كدت اعذرهم على فسادهم وكدت اعذرهم على الأستماتة للبقاء في مراكزهم , ذلك لانهم مطبوعين بعبودية السلطةوامتيازاتها .
وانا لست زاهداً او متصوفاً بقدر ما انامجازف ساضحي بدخل سنوى يصل الى مليون ريال من مجلس النواب لكني مقابل هذه التضحية احتفظت بشيئ واحد اعتقد ان كثيرين من الأخوة الأعضاء يفكرون فيه بجدية وهواغلى ثمناً, ولو لا التزاماتهم الماليةلما بقوافي هذا المجلس بوضعه الراهن الذي يرعاه بشق الوالد الشيخ عبدالله الحمر والستاذ محمد الخادم الوجيه ويتفننان بادارته بطريقة تعكس وضع الدولة وعقلية السلطة ..واتمنى لكم الصبر,
واني اشعر بالحزن لقلة صبري وطباعي التي تخالف منطق الواقع لقد عقدنا حتى يوم تقديم هذه الأستقالة 368 جلسة قضينا فيها1158 ساعة,واستهلكنا حوالي 579 ساعة فقط في مناقشت محاضر جلساتناوالأحتجاج على هيئة رئاسة البرلمان لمخالفاتها للقانون والدستور..وهذ عبث وسؤ ادارة يكلفنا وشعبناجهداً ومالاً وانا لاتتحمل طباعي التعامل معه بحسن نية واستثمارانني ارجوا ان تسامحوني من كل ازعاج سببته لكم ولديموقراطيتكم والسلام
اخوكم عبد الحبيب سالم مقبل ممثل الدائرة 35 مدينة تعز 1995م
[/
مقتطفات من اجمل مقالاته 

كانت  صحيفة -صوت العمال – المحطة الثانيه للكاتب الصحفي – عبدالحبيب سالم مقبل بعد محطته الاولى - صحيفة الجمهوريه – لأن سقف الحريه  حرية النشر كان مرتفعا في – صحيفة صوت العمال ربما لأنها لا تتبع السلطه بل كانت لسان حال عمال اليمن وقد اكتسبت هذه الصحيفة شهرتها من خلال شهرة عمود يسمى – الديمقراطية كلمة مره – لكاتبه عبد الحبيب سالم مقبل الذي صار اشهر من نار على علم وخلال تلك الفترة شارك -   الشهيد عبدالحبيب سالم –  مع عدد من رفاقه في عقد مؤتمر تعز الجماهيري …. الذي انزعجت من اقامته السلطه وقامت اجهزتها الامنيه حينذاك بمداهمة منزل عبد الحبيب سالم وتفتيشه والعبث بمحتوياته ومصادرة بعض المحتويات حينما كان قد وصل خبر من ان الاجهزة الامنيه تنوي الزج بمن شاركو في هذا المؤتمر في غياهب السجون ومن خلال بعض المعلومات التي تلقاها عبد الحبيب سالم من بعض المقربين من السلطه والذين كانو يبدون تعاطفا مع ما يكتبه غادر تعز المدينه متوجها الى مسقط رأسه في - قرية الزبيره قدس – لكي لا تحدث مواجهات لا تحمد عقباها ولتجنب اتاحة أي فرصة للسلطات الامنيه لكي تجد ذريعة للقبض على اعضاء مؤتمر تعز الذي وصقته السلطات حينها بانه يحرض المواطنين على عصيان مدني  بينما كان في الواقع يدعو الى احترام ادمية الانسان اليمني والعمل على تطبيق الحكم المحلي وانهاء المركزية

والكف عن تكميم الافواه ومصادرة الحريات العامه وانهاء مظاهر الفساد المالي والاداري ولكن السلطات كانت تريد تصفية حسابات مع المعارضين لسياستها الفاسده ولكن بعض ممن لديهم ضمير في الجهاز الامني ومحبة ومساندة للشهيد عبد الحبيب سالم هي من اوحت له بانه مطلوب ومطارد فنجح في الافلات من شرورهم التي ظلت تترصد ه حتى - اراد الله له ان يختاره الى جواره رحمه الله وطيب ثراه فكان لهذه العصابة المجرمه  ما ظلت تخطط له من النيل من كل حر وصاحب ضمير حي وقد ظل موت عبد الحبيب سالم يطرح اكثر من علامة استفهام لموته المفاجيء

وحسبه انه لاقى ربه مرتاح الضمير نقي اليد  لم يخف في الله لومة لائم ويكفي الناس عزاء تلك الجموع الغفيرة التي لم تشهدها جنازة من قبل والتي حضرت لتلقي نظرة الوداع الاخير على – صاحب الكلمة المرة التي ارقت مضاجع الفاسدين والظالمين  وكان موكبا مهيبا يليق برجل احبه الملايين …. سلام عليك ايها الخالد في القلوب - أبـــــــا وائــــــل   – شهيد الكلمة الحره


ي 22 اكتوبر 1995 رحل نجم صحافتنا عبد الحبيب سالم مقبل )
- هذه كلمات كتبتها أثناء الأيام الفاجعة في الأسبوع الاول لرحيل الصديق العزيز ولم ار ان اغير .. فلحظة الصدق لا تعوض.. كان موت عبد الحبيب سالم الصديق العزيز والكاتب المتميز مزلزلا وعظيما في نفسي ولا يزال – و الآ
ن لابد من فتح ملفه في ذكرى رحيله رأيت ان استعيد ما كتبت ونشر كجزء من مقدمة كتبتها لكتابه الهام – الديمقراطية كلمة مرة –
-----------****--------
الآن شعرت بهول الفاجعة ، التفت حولي فأرى كوكبتنا تتناقص ونحن نتساقط واحد بعد الاخر .. ويأتي خريفنا قبل الاوان ..؟
ورحل عبد الحبيب فجأة ليزيد وجعي ويضاعف الالم الذي لاينتهي..
اعترف الان ان موته اشعرني بأن طائر الموت يحلق فوق رأسي وبرغم قناعتي بأن لا شيء يستحق الخوف عليه (وهل هذه حياة يخشى مفارقتها ) الا ان موت عبدالحبيب هزني بعنف ، هزني لأنه صديق التعب الذي لاينتهي وزميل العمر الذي يتبدد على أرصفة القهر والمطاردة ولأنه ألمع نجوم جيلنا التي تبدد عتمة الواقع ، وحادي الركب لحفنة المشاغبين الذين ايقنوا ان القبض على جمر جهنم أهون من القبض على قلم يقول الحقيقة ، ومع ذلك امسكوا هذا القلم (اللغم ) .
******************
لو حكيت عن ما هو مشترك ..لانقضت صفحات طوال قبل ان تنتقضي الحكاية لسنوات من العمر الجميل الذي بقى مطاردا بلعنة الوطن ، لكن مايذهلني في الرحلة القصيرة هذا الاندفاع الذي لازم شخصية عبدالحبيب ، كان أجرأنا ولاجدل في ذلك ، أكثرنا اندفاعا وسرعة وعجلا في المواجهة .. مقداما في كل شيء حتى في موته ورحيله !..
صار زوجا قبل الاوان .. وأبا بشكل مبكر ، وصحفيا لامعا في لحظات الصمت وأشتهر بسنوات قلال .. وقرر ان يكون سياسيا فاختصر الزمن الى سنتين أو ثلاث وصار برلمانيا في انتخاب كاسح .. ثم كان أول من استقال من المجلس المهزلة ثم يرحل هكذا سريعا ضجرا منا ومن الوطن المقبرة
******
برغم اعترافي بأني محاط بإحباط قاتل الا اني بقيت كعادتي أخطط للعمر بنوع من التأني والشعور بفسحة من الزمن وان في العمر متسع.. لكن ما حدث مع عبد الحبيب هز قناعاتي واننا في الوطن المقبرة معرضون للموت فجأة بالسكتة القلبية او القلمية أو الجلطات الغربية .. (وهل نحن احياء حتى نخاف الموت ياعبد الحبيب ) ما أظنني الا مع جثث تتحرك تلوك الحديث عصرا لتقبع مساء تصفق لكل اطلالة للزعماء او فوهات المدافع .. هذا هو الشعب الابي الذي ما انفك الاعلام الرسمي يصفه بالآباء والشمم ورفض الظلم .. ونحن في الحقيقة ( شعب يرحم الله ) !
والوطن بكل جيوشه وقبائله الشجاعة لم يتسع لصوت مشاغب واحد يجهر بالحقيقة مثل عبدالحبيب ، انه وطن لا مكان فيه للموهوبين والأتقياء ولا يطيق صراخ المحتجين ولا يحب الغاضبين من الاولاد انه يريد قطيعا من القوم ألمطأطئي الرؤوس القابعين تحت اقدام الخطيب المفوه يسمعون تقريعه ويندهشون لاتساع عنقه وانتفاخ كرشه ، ولايريد مصلين من الاعراب يقاطعون الخطيب يسالونه عن اكوام ذهبه ورصيده الذي لايحصى وليس فقط ( عن قميصه الجديد) .. ويسألونه : لم يجب ان نتبرع لأفغانستان ومدينتنا لاماء فيها ولا حياة ؟!!
هذا الوطن بكل اتساعه لم يتسع لصوت وقلم مثل عبد الحبيب .
********
ها هو الوطن يكمل على سنوات شبابنا وهو ليس كما حلمنا به ، الوباء يحصد الناس ، وقيل : هو يحصد الزوائد منا فقط . وقال الذي في قلبه مرض : هؤلاء موعدهم الجنة، وفي الجنة (ماء غزير) لا كمدينتكم الجدباء ، ومدننا هي قرى منهكة .. عطشى مظلمة .. ولا طرق حتى للحمير
والناس يا عبد الحبيب من هذا الجيل الذي حاصره التعب .. حين كان الزمن حربا ولدنا وكبرنا مع الحرب التي لاتنتهي والشعارات التي لاتنفذ ، مع الثورة ضد المرتزقة ، مع الجمهورية ضد الملكية ، وبقينا لانعرف طعم النوم خشية ان (ينط الامام ) ويهجم ويحكم البلاد ، ونام الامام واتباعه وبقينا للسهر والحمى نتداعى وحدنا في وطن معمد بالدم .
جيل التعب هذا يخلق الواحد منا فيجر من يديه ، وتخبط القابلة كفية ببعضهما لتعلمه التصفيق منذ الوهلة الاولى ومن تمرد على التصفيق (تقصف يده)
واخترنا التمرد ، وكنت أنت الناطق الرسمي باسم جيلنا الذي يكره التصفيق ويتمرد على القابلة والقائد .. ويتمرد على النوم باكرا والسير في ركب كتاب (والله من وراء القصد )وفرقة المزامير الشعبية المسماة ادبا (بافتتاحيات الصحف الرسمية)..!
لانك رفضت الصمت في مقيل ( النقاشات) وخرجت تصرخ بالناس لم يطقك المخزنون واصحاب الحشوش ولم يستسغ صراخك الذين الفوا الصمت وحمد السلطان على الجوع والقهر لذا بقيت في منطقة المنبوذ الموجهة اليه اصبع الاتهام.
ولم تأبه بهم جميعا وانطلقت قبل الجميع كالشهب تسبقنا كالعادة الى المجد والناس والشهادة !!
الان فقط اعترف لك انه رغم المناكفات التي لا تنتهي بيننا كنت اتمترس بك وعندما تشتد وطأة الخوف وأراني محاصرا برجال يطاردونني في كل لحظة وينظرون الى ساعاتهم وان ألج أي مكان ، كنت اراك تنفض عني غبار الخوف بمقال او صرخة .. ليستمر موكب الشغب لأسير بعدك وانت قائد موكبنا الى الحلم (الذي لايجيء)
واقترنت أجمل سنوات العمر بك غصبا عنا الاثنين ، اتصلت واقتربت وتقاطعت في بعض الاحيان رؤانا وافكارنا ومصائرنا ايضا .
من (طاولة صحيفة الجمهورية مع رفيق دربنا العظيم الآخر مثلك عبد الله سعد ) وأرصفة أخرى (من صوت العمال ) الى لجان الاعتصام والاضراب والمؤتمرات والاحلام العظيمة والى اللذين سرقوا حلمنا وتركوا لنا الهم والاسى (ومرض القلب)!
*****
في موكب العزاء كما في غرف التحقيق دائما يسألونني عنك .. ولا يصدقون انا لانملك غير احلام عظيمة وقلوب الناس (وكل هذا الفقر)
هم يرون كل الحالمين خونة .. وكل من يصرخ مشاغبا عميلا ، وكل من يكتب قصيدة عشق (يدبر مؤامرة)..!
هاأنا أرى و موكب الحشد والجنازة على اكتاف رجال تبكي أرى مالا يراه الاخرون .. وجود الشامتين يسلمون علي وملامحهم تشيء بما في صدورهم (تخلصنا من مشاغب واحد والعقبى للآخرين)
اه ... مات الطاووس المشاغب ، والغضوب الذي لايهدأ .. فماذا أنتم فاعلون ؟!! وأشعر بأني سأنفجر فيهم كقنبلة لاتي عليهم جميعا
*******
لتهنأ الكراسي الان بما التهمت من عمر الوطن ومن وروده البيضاء التي تموت باكرا
** في لحظة الضعف رأيت القهر دمعا على خدي والمقبرة الموحشة تحيط بنا صديقي النائم بشموخ تحت التراب بمدينة العطش وانا المطارد دوما بالاسى .. والوحيد الان !! في لحظة كهذه أسأل نفسي الامارة بالخير : يا هذا المسكين ما يريدون منك بدباباتهم وصواريخهم .. هم يملكون الموت ونحن نريد لهم الحياة .. نريد خبزا وماءا وزهورا لأطفال تقتلهم الطوابير والسيارات الفارهة
نريد لهم وطنا ويريدون للكل مقبرة ..!! ها هي الثورة ياعبد الحبيب التي ضيعتنا صغارا تحملنا دمها كبارا ..!!
******
مع كل ما جرى أنني أعتب عليك أعرف بأنك ترجلت عن حصانك لترتاح لحظة ولكن عبث الاقدار يسرق قلوب العاشقين خلسة ، فتركت الحصان وحيدا !
الان فقط ترحل .. هل تظن بأن زمن الصمت هذا لاينتهي وأنك فارس الكلام الذي لايطيق صمتا .. لهذا رحلت ؟؟
ربما الامر كذلك .. لكن اصدقك القول ثانية .. لست الميت الوحيد .. أنت الشهيد الحي .. ونحن الموتى في الوطن المقبرة
******
عبد الحبيب سالم مقبل.. الحيّ الذي استوسط أمواتاً.. فقال هبو للنجاة؟! فهل أيقض فيهم الحياة؟!..

هذه السلسلة هي مجموعة مقالاته المنشورة في كتاب "الديمقراطية.. كلمة مرة" وهذا العنوان هو عنوان عموده الذي اشتهر به في صحيفة صوت العمّال..

هذه السلسلة كما يقول عنها عز الدين سعيد أحمد متحدثاً عن عبد الحبيب "ليلقي حجراً في مياه سياستنا الراكدة" فهذه الأحجار التي ستحرك مياه سياستنا الراكدة.. وهذه الأحجار التي ستجلي القديم المتجدد والذي تنبأ به عبد الحبيب باستيحاء غريب للمستقبل فحدث ما ظن به عبد الحبيب وما شك فيه..

لقد مثّل عبد الحبيب أجرأ الكتاب السياسين وأكثرهم اعتدالاً في أطروحاتهم بالنسبة للحقائق.. فكانت مقالات عبد الحبيب جميعها موضوعية وبالطبع أجمل بكثير من كتّاب معارضة اليوم، فعبد الحبيب يرتكز على المعلومة والتحليل.. ومقالاته عميقة الطرح لذيذة النتائج "مع طولها النسبي"..

أكاد أجزم بأن عبد الحبيب الذي تخلى عن القاعدة التعزّية "اشهد يا الله وأنت احكم" والذي تمرّد على سياسة الهجعان والسكتة وشيحبسو أبوك.. خرج إلى وجه المدججين ليقارعهم بالحجة والتبيان.. وليقول: لا أهلاً لتعز من سيقول "اشهد يا الله" وإنما أهلها من يقاوم ولو بالكلمة الأخاذة..

وأضيف جزماً آخراً فأقول: إن أكبر خدمة نقدمها لعبد الحبيب.. ليس أن نقول فقط "الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته".. بل أن نحمل رسالته التي وضعها فينا.. وقد بلغ النعيم بنا مبلغه حيث وقعت في يدنا بعض شذرات مما كتب فعلينا أن ننشرها ونستفيد مما فيها ولنقس ما قاله في ذلك العهد على زمننا هذا لنذهل بالحقائق ونبوءة عبد الحبيب المتواترة لحوادثنا المتواترة..
وأقترف الفرصة الآن لأقول: أرجو أن يعذرني الجميع إن تأخرت في سرد حلقات هذه السلسلة فهذا خاضع لظروف عملي.. ومتى ما أجد الفرصة لن أسمح لنفسي بالتأخر..
مع خالص الود،،
أحمد شوقي أحمد


البؤس السياسي عند الحفتاني وعبدالحبيب سالم
الإثنين , 23 نوفمبر 2009 م 
نجيب محمد يابلي
"الأدب الفارسي/ منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" لمؤلفه محمد رضا شفيعي كوكني وترجمه د. بسام ربايعة الصادر عن "سلسلة عالم المعرفة" الكويتية (اكتوبر 2009) حمل بين دفتيه وتحديداً في الصفحة (54) بيتين من قصيدة للشاعر الفارسي هلال الحفتاني (من شعراء القرن الخامس عشر) وأورد المؤلف النص الفارسي وترجمته العربية التالية:
لقد ابتليت بدوامة من طوفان
دلوفي
وإذا قدر لي أن أعيش عمر نوح
لن أرى الساحل
يلاحظ أن مأساة الشعوب لا عنوان لها ولا زمان محدد ويلاحظ أننا أمام حالة شعرية عبرت عن الإحباط ووجدت نفسي أمام كتاب "الديمقراطية كلمة مرة" الذي ضم كل كتابات المسكون في قلوبنا عبدالحبيب سالم مقبل ويقع الكتاب في (282) صفحة وقدم له الأستاذ عز الدين سعيد احمد الذي زين مقدمته بعبارة أخاذة " الشهيد الحي والوطن المقبرة".
رحل عبدالحبيب عن دنيانا مبكراً في 22 أكتوبر 1995 وكان رحمه الله في ربيعه الرابع والثلاثين وطرق باب الصحافة مبكراً في مطلع الثمانينيات وتدرج في مجال الوظيفة والكتابة مبكراً وخاض الانتخابات النيابية مبكراً واكتسح صناديق الاقتراع في انتخابات عام 1993 واكتسب عضوية نقابة الصحفيين واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين والمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات والمنظمة العربية لحقوق الإنسان.
ضاق صدر السلطة بكتابات عبدالحبيب ولذلك اجترحت قريحته عنوان "الديمقراطية كلمة مرة" لأحد مواضيعه الصحفية في بداية العام 1995 وكذلك كتب العزيز عزالدين سعيد احمد في مقدمة كتاب "الديمقراطية كلمة مرة" مخاطباً الفقيد:"الآن فقط ترحل هل تظن بان زمن الصمت هذا لا ينتهي وأنك فارس للكلام الذي لا يطيق صمتاً.. لهذا رحلت.. ربما الأمر كذلك, لكن أصدقك القول ثانية لست الميت الوحيد.. أنت الشهيد الحي.. ونحن الموتى في الوطن المقبرة".
رحل عن دنيانا هلال الحفتاني في القرن الخامس عشر الميلادي ورحل عنا عبدالحبيب سالم قبل بداية الألفية الثالثة بخمس سنوات وكانا في حالة إحباط بعد أن غسلا يديهما في الواقع المرير, اللذان عانيا منه ونعاني منه الآن وسيعاني منه الناس الذين سيأتون بعدنا حتى يقضي الله امراً كان مفعولا.
تظل قناعة الحفتاني وعبدالحبيب ماثلة أمامنا ولن تغيب عنا ولو توخينا الدقة لقلنا إنها قناعتنا المشتركة التي تترسخ بمرور الوقت بأننا نسير من سيء الى أسوأ ولم يعد احد من اليمنيين وغير اليمنيين يقبل بالمهادنة أو المناورة مع مجريات الأمور, فهذا محمد المقالح الذي اختفى قسرياً عشية عيد الفطر المبارك وها نحن على أبواب عيد الأضحى المبارك ولا يزال الرجل مختطفاً وهذا صلاح السقلدي وفؤاد راشد لا يزالان وراء القضبان وتحت الأرض منذ أشهر وهذه "الأيام" عانت وتعاني من اعتداءات وانتهاكات لحريتها وحرية ناشريها هشام وتمام باشراحيل ولا تزال محتجبة قسرياً وهذه المصدر" وزميلنا جبران يتعرضان للانتهاك الصارخ وهذا زميلنا منير الماوري يمنع من الكتابة ابد الدهر.
هذا المفكر الإسلامي الكبير فهمي هويدي لم يعد يهادن النظام فقال فيه ما قال في فضائية "الجزيرة" وكرر ما قاله آنفاً مع الزميلة "الأهالي" في حوار أجراه معه الزميل ثابت الأحمدي في القاهرة ومن ضمن ما قاله الهويدي:"مشكلة اليمن ليست في الشمال أو في الجنوب, المشكلة في صنعاء, الآن أنت تعود من وضع الدولة الى وضع القبيلة, تم إيقاف مشروع الدولة في اليمن, الآن الأسرة هي التي تحكم في اليمن بعد إلغاء المشاركين.
قال هويدي في رده على سؤال يتعلق بوجود المؤسسات: "دعك من كل هذا, هذا ديكور ديمقراطي, أقم ماشئت من المؤسسات التي تكون شكلاً للديمقراطية, لكن هل هي تؤدي وظائفها؟! الشعب اليمني لا يحكم. الأسرة هي التي تحكم. في اليمن تراجع عن مشروع الدولة والعودة الى مشروع القبيلة."
(الزميلة "الأهالي" 17 نوفمبر 2009)
حقاً, إننا ندور في دائرة البؤس السياسي وبتراكم البؤس ستدور الدائرة على العابثين الذين حاولوا عبثاً إيقاف عجلة التاريخ.
وضوع: شفيقة علي القدسي..إلى روح الفقيد/عبدالحبيب سالم مقبل في ذكرى رحيله   30/10/10, 11:31 pm



إلى روح الفقيد/عبدالحبيب سالم مقبل في ذكرى رحيله
للأستاذة / شفيقة القدسي


يا من حُجِبْتَ عن العُيُون،
« والشمس تّفْقَدُ بالمَغْيبْ»
لكن ضوءك ساطع،
سيظل باقٍ لن يغيبْ......
<<<
لا حَادِياَ للعِيْسِ بعدكْ
يا هَادِياَ قد كُنت - وحدك - دُونها،
قد كنت - وحدك - صوتها،
قد كنت وحدكْ....!!
ولذا اصْطُفِيت إلى الخُلُودْ،
كي لا تُدَنَّس بالصُّعُودْ،
وتظل رمزا للصُّمُودْ....
<<<
نَم ْفي خُلُودِكَ واسْتَرِحْ،
دَعْنَا لِحَرْفِكَ نَسْتَبِحْ....
نُحَرِّفُ المَعَانِيْ،
ونَنْتَقِيْ من أحْرِفِ المَبَانِيْ،
مانَتَّقِيْ – بفضلها –
من سَطْوَةِ الزَّمانِ..!!
لأننا - كما رأيتْ -
في حَضْرَةِ الشْجْعَانِ...!!
فالحرف كان سَيْفاً
والحرف صَارَ زَيْفاً
والحق ظَلّ كَيْفاً
والعدل ظَلَّ حَيْفاً
<<<
نَمْ يا أبَا الكَلِمَاتْ،
نَمْ مُطْمَئِناً يا ابن سالمْ
لا حزن يَطْوِيْنَا لِفِقْدِكَ،
والمآتمُ غَادَرَتْنَا،
والحياةُ ولائِمٌ تَتْلُو ولائِمْ...!!
مادُمْتَ تَرْحل هكذا....
تَحْيَا السَّوائِمُ
– يا أخي –
تَحْيَا السَّوَائِمْ،
هذا الرَّحِيلُ بَشِيْرُنَا،
فالخَير قَادِمْ،
ابْشِرُوا،
فالخير قَادِمْ...!!
<<<
نَمْ أنت يا خير الرِّجالْ،
أَحْياكَ حرْفُكَ في الوَرِيدْ،
في النَّعْشِ قد حَمَلُوا سواكْ،
سار الرِّجال وراء نعشٍ،
يَنْدُبُونَ نُفُوْسَهُمْ،
فُقِدَت ولم تَبْلُغْ مُنَاهَا،
لم يَنْدُبُوك،
لم يَدْفِنُوك،
وإنِّما تلك الرِّجَالْ
– مع الأَسَفْ –
دَفَنَتْ نُهَاهَا....
<<<
إِنْ كُنْتَ تَرْحَل هكذا...!!
فالأرض قد يُعْشَقْ سِوَاهَا،
والشَّمس قد تَتْرُكْ سَمَاهَا،
والخَوْفُ قد يُحْنِيْ الجِبَاهَا
والخلق قد تَفْقَدْ ولاهَا،
فَتَبَاتُ تَجْأَرُ في دُعَاهَا،
كي يحفظ الجَانِيْ الإِلهَ
..


بقلم منير الماوري عن صحيفة الجمهورية 
جمهور عبدالحبيب سالم مقبل 

عندما عرَض عليّ الأستاذ سمير اليوسفي - رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية - كتابة عمود منتظم للصحيفة، لم أتردد في الموافقة، مرحباً بالفكرة، لكني أمضيت سويعات أتأمل في دلالات هذا العرض الكريم، فجال بخاطري عدة نقاط. 
نقطة التأمل الأولى كانت إدراكي أن الكتابة لصحيفة “الجمهورية” تمثل تحدياً كبيراً لشخصي؛ لأني لن أخاطب جمهوراً عادياً بل سأخاطب جمهور الراحل عبدالحبيب سالم مقبل الذي علمتني حروفه وكلماته في صحيفة “الجمهورية” أن الديمقراطية كلمة مُرّة قد يدفع الصحفي حياته ثمناً لها. 
ونقطة ثانية جالت بخاطري، وهي أن مبادرة الأستاذ اليوسفي بدعوتي للكتابة في صحيفة “الجمهورية” تمثل مؤشراً لي بأن التغيير الفعلي نحو الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة قد بدأ فعلاً من تعز، ولهذا جاءني العرض من مؤسسة حكومية في عاصمة الحرية، ولم يأتِ من صنعاء عاصمة ثورة التغيير، رغم أني على الصعيد الرسمي لازلت محسوباً على مؤسسة “الثورة” للصحافة في صنعاء كصحفي “فرار” من صحيفة “الثورة” الحكومية منذ أن غادرت اليمن بلا رجعة قبل ما يقارب العشرين عاماً. 
أما نقطة التأمل الثالثة، فهي أني قد أضع القائمين على الصحيفة - بمن فيهم رئيس التحرير - في مواقف محرجة؛ لأني لم أعتد في كتاباتي على فرض رقابة ذاتية على نفسي، حتى من قبيل الالتزام بعلامات الترقيم والإشارة أو الدقة اللغوية، وبالتالي فإن المصححين اللغويين في صحيفة “الجمهورية” لن يواجهوا فقط معضلة تصحيح أخطائي اللغوية اللامحدودة، بل ربما يضاف إلى مهامهم أيضاً تحصين الصحيفة من أية مساءلات ينص عليها قانون الصحافة في اليمن الذي لم ولن أكلف نفسي بقراءته؛ لأني لا أقر بمشروعيته الدستورية أصلاًَ. 
وقد قادتني النقطة الأخيرة إلى التذكر بأني ممنوع من الكتابة بصورة دائمة؛ بموجب حكم قضائي صادر عن محكمة الصحافة في صنعاء، بتهمة التحذير المسبق للشعب اليمني من الدمار الشامل الذي قادتنا إليه السياسات السابقة. 
 ولا أظن أن كسر صحيفة “الجمهورية” لحكم القضاء قائم على توقع مسبق بأن حياة الكاتب ستنتهي عما قريب، وينتهي بذلك أثر الحكم الصادر ضده. 
 كما أني لا أرجح أن تكون صحيفة “الجمهورية” قد تناهى إلى علمها أن القاضي الذي أصدر الحكم المشار إليه قد انتقل إلى رحمة الله، وحتى لو كان الأمر كذلك - وهو ما لا نتمناه للقاضي الجليل - فإن الحكم بالمنع عن الكتابة مدى الحياة لا ينتهي بانتهاء حياة القاضي. 
التفسير المؤكد الذي يمكن استنتاجه بسهولة هو أن الحياة السياسية الماضية قد أوشكت على النهاية، وبالتالي فلم يعد هناك معنى لاستمرار المنع، وهذا هو ما يحسب لرئيس تحرير “الجمهورية”، وليس لرئيس الجمهورية. 
إن الأستاذ اليوسفي بفتحه صفحات “الجمهورية” للممنوعين من الكتابة وغير الممنوعين يحقق بوعي منه على الأرجح حلماً للحبيب الراحل عبدالحبيب، بأن تكون الصحف الحكومية والمؤسسات الإعلامية الممولة من الخزينة العامة ناطقة بلسان العامة، لا أن تظل حكراً على الحكومة، وهذا موضوع آخر قد أعود إليه في تناولة أخرى. 
ملاحظة: 
لم أعرف الشهيد الراحل عبدالحبيب سالم مقبل إلا من خلال كتاباته في أسبوعية “26 سبتمبر” و”الجمهورية” في الثمانينيات وفي “صوت العمال” أثناء الأزمة السياسية اليمنية، لكني قابلته مرة وحيدة برفقة زميله الراحل أيضاً الشهيد عبدالله سعد في صنعاء أواخر 1993، وأجمع ثلاثتنا على أن مشروع اليمن الكبير الذي كنا نظن أنه سيتمخض عن وثيقة العهد والاتفاق، يجب أن يتضمن إبعاد الأحزاب الحاكمة عن المؤسسات الإعلامية الحكومية، وأن تكتفي تلك الأحزاب بمنابرها وصحفها الناطقة باسمها، على أن تتحول الصحف الحكومية والمؤسسات الإعلامية الأخرى إلى ناطقة باسم الممول المباشر لها، وهو الشعب اليمني. 
 وجاء النبأ الصاعق لاحقاً باستشهاد الحبيب الذي أحتفظ بصورة له تلقيتها هدية من الدكتور عبدالعزيز السقاف ضمن أحد أعداد “يمن تايمز” أثناء زيارة الدكتور السقاف لأميركا بعد استشهاد عبدالحبيب. 
 ومن مفارقات الأقدار أن الدكتور السقاف والزميل عبدالله سعد استشهدا لاحقاً في ظروف لا تقل مفارقة عن ظروف استشهاد الراحل عبدالحبيب سالم، ومن المفارقات أيضاً أن شهداء الصحافة اليمنية الثلاثة جميعهم من المحافظة الثائرة تعز.  

عبدالحبيب.. كلامك يحلو والحياة مريرة 
بقلم/
لطفي فؤاد أحمد نعمان
نشر منذ: 7 سنوات و 5 أشهر و 15 يوماً
الأحد 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 12:00 ص عن صحيفة الجمهورية 
25 / 10 / 2006 م
يا عبدالحبيب:
ما قُدِّر لي أن أراك واقفاً كما قُدِّر لي رؤيتك مغطىً صباح الأحد الموافق 22 أكتوبر 1995م في مستشفى الثورة بصنعاء، ودموع صديقك السفير مصطفى نعمان تنهمر حزناً وأسىً على وحدته بعدك وقد اعتاد قربك.. وأم وائل أعانها الله تعاني حرقة الوداع، ووائل نبعد به عن رؤية جثمانك..
أيها الحبيب، روحك ترفرف وإن رحلت جسداً كما قالت أم وائل في إهدائها الخاص لكتاب "الديمقراطية كلمة مرة".. وهذا مصير العظماء..
ولعله كان أوانك أن تأتي وترحل سريعاً، تقول كلمتك وتمشي قبل أن تخرج خارج البلد ممثلاً له، إرادة الله وحكمته وعلمه بأن تناقضاً كبيراً ستعيشه في داخلك لو فعلت، جعل أمره مفعولاً رحمة بك وبالعالمين.. فالحمد له..
بالكلمة الطيبة عرضت كل خلل وداء.. وبكلماتك الحلوة عن الواقع المرير سجلت شهادة حق على ديمقراطية اليمن الوليد في 22 مايو 1990م وكما قال عزالدين سعيد: هامش الديمقراطية في اليمن من السعة بحيث لا يضيق بصفحات كتبها قلم صحافي متميز أحب الناس فبادلوه حباً بحب..
وحياتك رغم قصرها تطول بإرثك الفكري الوطني ـ لا الطائفي- الذي حافظ عليه في كتاب "الديمقراطية كلمة مرة" أصدقاؤك «طاهر علي سيف، محمد علي المطاع، علي المقري وعارف الدوش» الأوفياء حقاً وصدقاً وما نسوك أو تنكروا..
يا عبدالحبيب:
اغفر لي إن اجتزأت من كلماتك الحلوة عن الحياة المريرة وقد يفسر الاجتزاء بعض المفسرين مجاملةً لطرف على حساب طرف آخر، والحق إنها رغبة في إحياء ذكراك بكلماتك التي عكست مرارة الواقع ـ لا الديمقراطية كما قلت ـ بتجرد وموضوعية لا يعرفها ولا يطيقها ولا يقبلها المتطرفون في كل اتجاه..
رحمك الله وغفر لنا ولمن نسيك وأخطأ في حقك.. وإلى كلماتك:
- مع أن التحلل من الوعود الديمقراطية تجد دائماً مبرراتها في الوطن العربي.. تفاؤل المواطن العربي رغم ذلك يتجدد كل يوم ولا حياة دون أمل.
- اليمنيون طائفة واحدة في وجه الفساد والعبث، وهم من منطقة واحدة أمام من يريد أن يخلق من اليمن يوغسلافيا أو لبناناً جديداً..
- في الظاهر، يبدو أن مشاكل اليمنيين ومعاناتهم محلولة لولا وجود بعض الصحف التي «تستغل» الديمقراطية، وبعض الذين يقال بأنهم يثيرون الرأي العام، ويخلقون أعداءً للسلطة في الداخل والخارج..
- أسوأ ما في الأحزاب اليمنية افتقارها الشديد للنماذج التي تشكل القدوة، ولا يكفي أي حزب أن يوجد فيه عدد محدود من الحزبيين الذين يمتلكون النضج السياسي الوطني، فالنماذج التي يتعامل معها المواطنون يومياً تبعث كثير منها على التشاؤم وتقرر أن الأحزاب تمر بمرحلة الطفولة أو المراهقة.
- حوار العقل مطلوب، والنقد الصحافي لا يعني موقفاً عدائياً ضد هذا الحزب أو ذاك، على الأحزاب أن تعيد الاعتبار لنفسها، ومزيد من العمل وقليل من التظاهرات الصوتية ينفع الأحزاب في دنياهم..
- الآمال في بلادنا لن تنقطع رغم الإحباطات التي يحاول فرضها البعض من الذين تعودوا العيش في الظلام.. وهمومنا ومتاعبنا التي تكبر كل يوم، هي تعبير صحي عن حالة نضج واع، ولو كنا صمتنا.... لكنا قد عدنا إلى نقطة الصفر وتضاعفت الهموم والمشاكل..
- علينا أن نتخيل حجم النكسة التي كانت ستصيب بلادنا لو لم توجد الصحافة الحزبية والأهلية..
- إننا اخترنا الطريق الصعب، المليء بالأشواك والأحجار التي تعيق كل من يجري فوقها بسرعة.. لكنه طريق الحرية، والوحدة، الذي يتوجب علينا فيه أن ندفع ثمناً..
- ينبغي أن تتحالف كل قوى الشعب وأحزابه ومنظماته، وليكن الانتماء لليمن فوق الانتماء للأحزاب، وفوق المصالح والخلافات، قبل أن نعود جميعاً إلى نقطة الصفر نوزع المنشورات، ونعقد اجتماعات سرية، ونتآمر للقيام بانقلابات دموية لتدخل بلادنا في حرب أهلية، أو تعيش تحت ديكتاتورية لا مخرج منها إلا بثورة وتضحيات كبيرة.
- الحقيقة أننا نظلم أنفسنا بسوء الظن هذا، حيث لم يعد فينا مخلص، ولا نزيه، وزادت الأعباء التي نعانيها تفرض علينا أن نفسر كل شيء بطريقة «التفسير التآمري».
- عجلة الحياة والتغيير قد دارت، ولا يستطيع أحد أن يعيد اليمنيين إلى الخلف، إلى أيام الإرهاب والاعتقالات بعد منتصف الليل، ومع ذلك ما زال هناك من يفكر بفجور وكفر بالحياة بأنه بمقدوره وقف عجلة التاريخ عن الدوران.